الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( قال ) وإن لم يعرف القاضي شهود القذف بالعدالة حبسه حتى يسأل عنهم ; لأنه صار متهما بارتكاب ما لا يحل من هتك الستر وأذى الناس بالقذف فيحبس لذلك ، ولا يكفله ; لأن التكفيل للتوثق والاحتياط والحد مبني على الدرء والإسقاط ثم ذكر أنه لا يكفل في شيء من الحدود والقصاص في قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله تعالى الأول ذكره في كتاب الكفالة ، وفي قول أبي يوسف الآخر ، وهو قول محمد رحمهما الله تعالى يأخذ منه الكفيل في دعوى حد القذف عليه ، وكذلك في دعوى القصاص ، ولا خلاف له أنه لا تصح الكفالة بنفس الحد والقصاص ; لأن النيابة لا تجري في إيفائهما ، والمقصود من الكفالة إقامة الكفيل مقام المكفول عنه في الإيفاء ، وهذا لا يتحقق في شيء من الحدود فلا تصح الكفالة بها ، فأما أخذ الكفيل بنفس المدعى عليه فعند أبي حنيفة رحمه الله .

إذا زعم المقذوف أن له بينة حاضرة في المصر ، فإن القاضي لا يأخذ من المدعى عليه كفيلا بنفسه ولكن يحبسه إلى آخر المجلس فإن أحضر بينته وإلا خلى سبيله ، ومراده بهذا الحبس الملازمة أنه [ ص: 107 ] يأمره بملازمته إلى آخر المجلس لا حقيقة الحبس ; لأنه عقوبة وبمجرد الدعوى لا تقام العقوبة على أحد ، وعند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى يأخذ منه كفيلا بنفسه إلى ثلاثة أيام ليأتي بالبينة ، وقالا : إن حد القذف في الدعوى والخصومة بمنزلة حقوق العباد ، وفي أخذ الكفيل نظر للمدعي من حيث إنه يتمكن من إحضار الخصم بإقامة البينة عليه ، ولا ضرر فيه على المدعى عليه فيأخذ القاضي كفيلا بنفس المدعى عليه ، كما في الأموال ، وهذا ; لأن تسليم النفس مستحق على المدعى عليه حقا للمدعي ، ولهذا يستوفي منه عند طلبه ، وهو مما يجري فيه النيابة فيجوز أخذ الكفيل فيه وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول المقصود من هذه الخصومة إثبات الحد والكفالة للتوثق والاحتياط والحد مبني على الدرء والإسقاط فلا يحتاط فيه بأخذ الكفيل ، كما في حد الزنا ، وكان أبو بكر الرازي رحمه الله يقول : مراد أبي حنيفة أن القاضي لا يجبر الخصم على إعطاء الكفيل ، ولكن إن سمحت نفسه فأعطى كفيلا بنفسه صح ذلك ; لأن تسليم النفس مستحق عليه ، كما قلنا ، وإن أقام المدعي شاهدا واحدا فإن كان القاضي لا يعرف هذا الشاهد بالعدالة فهو وما لم يقم الشاهد سواء لا يحبسه إلا بطريق الملازمة إلى آخر المجلس ، وإن كان يعرف هذا الشاهد بالعدالة فادعى أن شاهده الآخر حاضر حبسه يومين أو ثلاثة استحسانا ، وفي القياس لا يفعل ; لأن الحجة لا تتم بالشاهد الواحد حتى لا يجوز القضاء به بحال ، ولكنه استحسن فقال : قد تم أحد شرطي الشهادة ، فإن للشهادة شرطين العدد والعدالة ، فلو تم العدد حبسه قبل ظهور العدالة ، فكذلك إذا وجدت صفة العدالة قلنا : أنه يحبسه إلى أن يأتي بشاهد آخر ويمهله في ذلك يومين أو ثلاثة فيحبسه هذا المقدار استحسانا ، وهذا كله عند أبي حنيفة ; لأنه لا يرى الكفالة بالنفس في الحد فأما عندهما يأخذ كفيلا بنفسه ، ولا يحبسه والمقصود يحصل بذلك

التالي السابق


الخدمات العلمية