الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( قال ) وإذا شهد شاهدان أنه سرق بقرة واختلفا في لونها فقال أحدهما : بيضاء وقال الآخر : سوداء فعلى قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى تقبل هذه الشهادة وعندهما لا تقبل قال الكرخي رحمه الله : في لونين متشابهين كالحمرة والصفرة تقبل عنده ، فأما فيما لا يتشابه كالسواد والبياض لا تقبل الشهادة بالاتفاق والأصح أن الكل على الخلاف فهما يقولان اختلفا في المشهود به على وجه لا يمكن التوفيق فلا تقبل الشهادة ، كما شهد أحدهما أنه سرق ثورا والآخر أنه سرق أنثى أو شهد أحدهما أنه سرق بقرة والآخر أنه سرق بعيرا والدليل عليه أن في الغصب لو اختلف الشهود [ ص: 163 ] في لون البقرة لم تقبل مع أن الثابت به مما لا يندرئ بالشبهات ، وهو الضمان ففي السرقة التي يتعلق بها ما يندرئ بالشبهات أولى ، ولا معنى لقول من يقول لعله كان أحد شقي البقرة أبيض والآخر أسود ; لأن تلك بلقاء لا سوداء ولا بيضاء .

وأبو حنيفة رحمه الله يقول : اختلفا فيما لم يكلفا نقله والتوفيق ممكن فتقبل الشهادة ، كما لو اختلف شهود الزنا في الزانيين في بيت واحد وبيان الوصف أنهما لو سكتا عن بيان لون البقرة لم يكلفهما القاضي بيان ذلك ، ولهذا تبين أنه ليس من صلب الشهادة والاختلاف فيما ليس من صلب الشهادة إذا كان على وجه يمكن التوفيق لا يمنع قبول الشهادة وها هنا التوفيق ممكن بأن كان أحد جانبيها أبيض والآخر أسود ، وقوله هذه تسمى بلقاء نعم ، ولكن في حق من يعرف اللونين ، أما في حق من لا يعرف إلا أحدهما فهو على ذلك اللون ، وشهود السرقة يتحملون الشهادة من بعيد في ظلمة الليل فلا يتمكنون من أن يقتربوا من السارق ليتأملوا في جانب البقرة وبه فارق الغصب ، فإن الغاصب مجاهر بما يصنع فالشاهد يتمكن من التأمل ليقف على صفة المغصوب ، فلهذا لا يشتغل بالتوفيق هناك ، وهذا بخلاف البقرة والبعير ، فإن الاختلاف هناك في صلب الشهادة وبخلاف الذكر والأنثى ، فإنه لا يوقف على هذه الصفة إلا بعد القرب منها وعند ذلك لا يشتبه ولا حاجة إلى التوفيق

التالي السابق


الخدمات العلمية