الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( قال ) وإذا أقر الرجل أربع مرات أنه زنى بفلانة ، وقالت كذب ما زنى بي ، ولا أعرفه لم يحد الرجل في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى يحد لحديث سهل بن سعد { أن رجلا أقر بالزنا بامرأة وأنكرت فحده رسول الله } ، ولأن الزنا [ ص: 99 ] فعلان من الزانيين وفعل كل واحد منهما يظهر بإقراره موجبا للحد عليه فإنكارها لا يؤثر في إقراره ، وأكثر ما فيه أنه يمتنع بإنكارها ظهور الزنا في حقها ، وذلك لا يمنع وجوب الحد على الرجل ، كما لو كانت حاضرة ساكتة أو غائبة ، وكما لو قالت : زنى بي مستكرهة يجب الحد عليه وإن لم يجب عليها وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول : فعل الزنا من الرجل لا يتصور بدون المحل وبإنكارها قد انتفى في جانبها فينتفي في جانبه أيضا ، ألا ترى أنه لو انتفى صفة الزنا في جانبها بدعوي النكاح سقط الحد عنهما ؟ فإذا انتفى أصل الفعل أولى ، وهذا ; لأن القاضي لا يتمكن من القضاء عليه بالزنا بها مع إنكارها ، ألا ترى أنها تبقى محصنة لا يتمكن من القضاء عليه بالزنا بغيرها ; لأنه لم يقر بذلك ، وبدون القضاء بالزنا لا يتمكن من إقامة الحد .

وفي الغائبة قياس استحسان والفصل المستحسن لا يدخل على طريقة القياس ثم بغيبتها واستكراهها لا ينتفي الفعل في جانبها وبإنكارها ينتفي ، ألا ترى أن من أقر لإنسان بشيء وكذبه بطل إقراره ؟ حتى لو صدقه بعد ذلك لم يصح ، ولو كان غائبا أو حاضرا ساكتا لم يبطل به الإقرار حتى إذا صدقه عمل بتصديقه ، وهذا بخلاف ما إذا قالت زنى بي مستكرهة ; لأن المحلية وأصل الفعل هناك قد ظهر في حقها ، ولهذا سقط إحصانها به وحديث سهل بن سعد قد ضعفه أهل الحديث ، ثم تأويل الحديث أنها أنكرت وطالبته بحد القذف فحده رسول الله صلى الله عليه وسلم بقذفه إياها بالزنا لا بإقراره بالزنا على نفسه

التالي السابق


الخدمات العلمية