الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( قال ) فإن حكم عليه بالقطع في السرقة فقطع رجل يده اليمنى من غير إذن الإمام فلا شيء عليه ; لأنه سقطت قيمة يده بقضاء الإمام عليه بالقطع فالقاطع استوفى يدا لا قيمة لها فلم يكن ضامنا ، ولكن الإمام يؤدبه على ذلك ; لأنه أساء الأدب حين قطعه قبل أن يأمر الإمام به ، وإن أمر القاضي الحداد بقطع يده اليمنى فأخطأ وقطع يده اليسرى فهو ضامن في القياس ; لأن بالقضاء بالقطع في اليد اليمنى لم تخرج اليد اليسرى من أن تكون محترمة متقومة فقطعها خطأ قبل القضاء وبعده سواء ، وفي الاستحسان لا شيء عليه ; لأن فعله حصل في موضع الاجتهاد ، فإن المنصوص عليه قطع اليد من السارق ، وقد قطع اليد واجتهد ، وإن أخطأ فلا [ ص: 176 ] ضمان عليه إذا كان فعله في موضع الاجتهاد يوضحه أنه ، وإن فوت عليه اليسرى ، فقد عوض اليمنى ; لأنه لا تقطع يده اليمنى بعد هذا وما عوضه من جنس ما فوت عليه فهو خير له مما فوت عليه ; لأن منفعة البطش في اليد اليمنى أظهر والإتلاف بعوض لا يوجب الضمان ، وإن تعمد ذلك ، فإن كان السارق أخرج يده اليسرى فقال : اقطعها فلا ضمان عليه بالاتفاق ; لأنه قطعها بإذن صاحب اليد ، ألا ترى أن من قطع يد الغير بإذنه من غير أن يكون قطعه مستحقا بالسرقة لم يكن ضامنا شيئا ؟ فهذا أولى ، وإن لم يكن أمره بذلك فأبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى أخذا بالقياس هاهنا وقالا : يضمن الحداد ; لأنه جان فيما صنع متعد فيكون ضامنا ، كما لو قطع رجله أو أنفه وأبو حنيفة رحمه الله تعالى أخذ بالاستحسان لما بينا أن الحداد مجتهد وفعله حصل في موضع الاجتهاد بخلاف ما لو قطع رجله أو أنفه ، ولأنه عوضه من جنس ما فوت عليه ما هو خير منه والإتلاف بعوض لا يوجب الضمان على المتعدي كالشهود إذا شهدوا عليه ببيع مال بمثل قيمته ، فأما إذا قطع أنفه فلم يعوضه مما أتلف عليه شيئا ; لأن القطع في اليد لا يسقط عنه بذلك ، وإن قطع رجله اليسرى فلم يعوضه شيئا ; لأن القطع لا يسقط عنه بهذا ، وإن قطع رجله اليمنى فلم يعوضه من جنس ما فوت عليه ; لأن منفعة البطش ليست من جنس منفعة المشي

التالي السابق


الخدمات العلمية