الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              الباب الحادي والعشرون

                                                                                                                                                                                                                              في هيبته ، ووقاره صلى الله عليه وسلم

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن سعد ، وابن جرير عن قيلة بنت مخرمة قالت : لما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم متخشعا في الجلسة أرعدت من الفرق ، فقال جليسه : يا رسول الله أرعدت المسكينة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم- «ولم ينظر إلي ، وأنا عند ظهره -يا مسكينة ، عليك بالسكينة» فلما قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم أذهب الله تعالى ما دخل قلبي من الرعب .

                                                                                                                                                                                                                              وروى محمد بن أبي عمر ، وأبو داود ، والنسائي ، والترمذي -وصححه- وابن حبان عن يزيد بن الأسود السوائي رضي الله تعالى عنه قال : حججنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع ، فصلى بنا صلاة الصبح ، فانحرف فاستقبل الناس بوجهه صلى الله عليه وسلم ، فإذا هو برجلين من وراء الناس لم يصليا مع الناس فقال : «ائتوني بهذين الرجلين» فأتي بهما ترعد فرائصهما ، فقال : ما منعكما أن تصليا مع الناس ؟ » قالا : يا رسول الله ، إنا قد صلينا في رحالنا ، فقال : «فلا تفعلا ، إذا صلى أحدكم في رحله ثم أدرك الصلاة مع الإمام فليصلها معهم؛ فإنها له نافلة» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أبو داود ، وابن ماجه -بسند لا بأس به- عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله تعالى عنه قال : كنا نجلس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلم النبي صلى الله عليه وسلم رجلا فأرعد ، فقال : «هون عليك؛ فإني لست بملك ، إنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن عدي عن أنس رضي الله تعالى عنه قال : كنا نجلس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنما على رؤوسنا الطير ، ما يتكلم منا أحد ، إلا أبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن سعد عن أبي رمثة قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعي ابني ، فقال : يا بني هذا نبي الله صلى الله عليه وسلم ، فلما رآه أرعد من هيبته .

                                                                                                                                                                                                                              وروى يعقوب بن سفيان عنه أيضا قال : انطلقت مع أبي نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما رأيته ، قال : هل تدري من هذا ؟ قلت : لا ، قال : هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واقشعررت حين قال ذلك ، وكنت أظن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا لا يشبه الناس فإذا هو بشر .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الترمذي في الشمائل عن علي رضي الله تعالى عنه قال : من رأى [ ص: 109 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم بديهة هابه ، ومن خالطه معرفة أحبه .

                                                                                                                                                                                                                              وروى مسلم عن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه قال : ما كان أحد أحب إلي من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا أجل في عيني منه ، وما كنت أطيق أن أملأ عيني منه إجلالا له ، ولو سئلت أن أصفه ما أطقت؛ لأني لم أكن أملأ عيني منه .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن حبان والحاكم ، والذهبي ، وأقره ، عن أسامة بن شريك قال : كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يتكلم منا متكلم ، كأن على رؤوسنا الرخم .

                                                                                                                                                                                                                              ورواه الطبراني بسند صحيح بلفظ : كأنما على رؤوسنا الطير ، ما منا متكلم .

                                                                                                                                                                                                                              ورواه الإمام أحمد ، وأبو داود ، وابن ماجه بلفظ : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأصحابه حوله ، وعليهم السكينة ، كأنما على رؤوسهم الطير ، فسلمت ، ثم قعدت ، وذكر الحديث .

                                                                                                                                                                                                                              ورواه الطيالسي بسند صحيح ، وابن أبي شيبة ، وأحمد بن منيع عن البراء بن عازب رضي الله تعالى عنه قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة من الأنصار فانتهينا إلى القبر ، ولما يلحد ، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وجلسنا حوله ، كأنما على رؤوسنا الطير .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن حبان ، والحاكم ، وصححه الذهبي ، وأقره ، عن ابن بريدة عن أبيه قال : كنا إذا قعدنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ترتفع رؤوسنا إليه إعظاما له .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الترمذي ، والحاكم عن أنس رضي الله تعالى عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل المسجد لم يرفع أحد منا إليه رأسه غير أبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما؛ فإنهما كانا يبتسمان إليه ، ويبتسم إليهما .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الحاكم ، وصححه الذهبي ، وأقره ، عن سلمان رضي الله تعالى عنه أنه كان في عصابة يذكرون الله تعالى ، فمر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام بعضهم ، فجاء نحوهم قاصدا ، حتى دنا منهم ، فكفوا عن الحديث؛ إعظاما لرسول الله صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن سعد عن قيس بن أبي حازم ، أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقام بين يديه ، فأخذه من الرعدة شيء ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «هون عليك؛ فإني لست ملكا ، إنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الشيخان عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ألقيت عليه المهابة .

                                                                                                                                                                                                                              وروى قاسم بن ثابت عن علي رضي الله تعالى عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بالطويل ، ولا بالقصير ، من رآه هابه ، أي : أكبره وعظمه .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 110 ] وروى وصححه الذهبي عن أبي مسعود ، قال : إني كنت أضرب غلاما لي ، إذ سمعت صوتا من خلفي : اعلم أبا مسعود الله أقدر عليك منك عليه ، قال : فجعلت لا ألتفت إليه من الغضب ، حتى غشيني ، فإذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما رأيته وقع السوط من بين يدي من هيبته .

                                                                                                                                                                                                                              وروى البيهقي عن أم معبد رضي الله تعالى عنها ، عنه صلى الله عليه وسلم : إن صمت فعليه الوقار ، وإن تكلم سماه وعلاه البهاء ، له رفقاء يحفون به ، إن قال أنصتوا لقوله ، وإن أمر ابتدروا إلى أمره ، محفود محشود لا عابس ولا معتد .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أيضا عن هند بن أبي هالة قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فخما مفخما .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية