الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              الباب الثالث

                                                                                                                                                                                                                              في تحريكه يده حين يتكلم ، أو يتعجب ، وتسبيحه ، وتحريكه رأسه ، وعضه شفتيه ، وضربه يده على فخذه عند التعجب ، ونكشه الأرض بعود ، ومسحه الأرض بيده ، وتشبيكه أصابعه

                                                                                                                                                                                                                              وفيه أنواع :

                                                                                                                                                                                                                              الأول : في تحريكه يده حين يتكلم أو يتعجب .

                                                                                                                                                                                                                              روى الترمذي في الشمائل وابن سعد ، والبيهقي عن هند بن أبي هالة رضي الله تعالى عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أشار أشار بكفه كلها ، وإذا تعجب قلبها ، وإذا تحدث اتصل بها ، وضرب براحته اليمنى بطن إبهامه اليسرى .

                                                                                                                                                                                                                              وفي رواية : يضرب بإبهامه اليمنى باطن راحته اليسرى .

                                                                                                                                                                                                                              الثاني : في تسبيحه عند التعجب .

                                                                                                                                                                                                                              روى البخاري عن أم سلمة رضي الله تعالى عنها قالت : استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : «سبحان الله! ماذا أنزل من الخزائن ؟ وماذا أنزل من الفتن ؟ من يوقظ صواحب الحجر» -يريد به أزواجه ، حتى يصلين ؟ «رب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة» .

                                                                                                                                                                                                                              الثالث : في تحريكه رأسه وعضه شفته عند التعجب .

                                                                                                                                                                                                                              الرابع : في ضربه يده على فخذه عند التعجب .

                                                                                                                                                                                                                              روى الشيخان وابن المنذر وابن أبي حاتم عن علي رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طرقه وفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : «ألا تصلون ؟ » فقلت : يا رسول الله فإذا شاء الله أن يبعثنا بعثنا ، فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قلت ذلك ، ولم يرجع إلي شيئا ، ثم سمعته وهو مدبر يضرب فخذه ، ويقول : وكان الإنسان أكثر شيء جدلا [الكهف : 54] .

                                                                                                                                                                                                                              الخامس : في نكشه الأرض بعود .

                                                                                                                                                                                                                              روى البخاري عن أبي موسى رضي الله تعالى عنه قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حائط من حوائط المدينة ، وفي يد رسول الله صلى الله عليه وسلم عود يضرب به في الماء ، وفي لفظ : بين الماء والطين ، فذكر الحديث .

                                                                                                                                                                                                                              وروي أيضا عن علي رضي الله تعالى عنه قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة فجعل ينكش الأرض بعود ، فقال : «ليس منكم من أحد إلا وقد فرغ من مقره في الجنة أو النار [ ص: 137 ] فقالوا : أفلا نتكل ؟ قال : اعملوا؛ فكل ميسر لما خلق له فأما من أعطى واتقى الآية» [الليل : 5] .

                                                                                                                                                                                                                              السادس : في مسحه الأرض بيده .

                                                                                                                                                                                                                              روي عن أبي قتادة رضي الله تعالى عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «من كذب علي فليشهد بجنبيه مضجعا من النار» وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك ، ويمسح الأرض بيده .

                                                                                                                                                                                                                              السابع : في إشارته صلى الله عليه وسلم بإصبعيه السبابة والوسطى .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الطبراني برجال ثقات عن ابن مسعود ، والإمام أحمد برجال الصحيح ، والبزار عن بريدة ، والإمام أحمد ، والبزار ، والطبراني برجال ثقات عن وهب السوائي ، والطبراني عن سهل بن سعد ، والطبراني عن أنس ، والطبراني بسند جيد عن أبي جبيرة الأنصاري رضي الله تعالى عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «بعثت أنا والساعة جميعا كهاتين» وفي لفظ : «كهذه من هذه ، وجمع بين السبابة والوسطى ، وأشار بهما ، وإن كادت تسبقني» .

                                                                                                                                                                                                                              الثامن : في تشبيكه أصابعه صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                                                              روى البخاري عن أبي موسى رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «إن المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا» وشبك بين أصابعه .

                                                                                                                                                                                                                              روى الشيخان والبيهقي ، والبخاري عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال : صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء ، فصلى بنا ركعتين ، فقام إلى خشبة معروضة في المسجد ، فاتكأ عليها كأنه غضبان ، ووضع يده اليمنى على اليسرى ، وشبك بين أصابعه .

                                                                                                                                                                                                                              وروى مسلم أيضا قال : شبك بيدي أبو القاسم ، وفي لفظ : أخذ بيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : «خلق الله الأرض يوم السبت ، والجبال يوم الأحد ، والشجر يوم الاثنين والمكروه يوم الثلاثاء ، والنور يوم الأربعاء ، والدواب يوم الخميس ، وآدم يوم الجمعة» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى البخاري في رواية حماد بن شاكر ، والبيهقي عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما [ ص: 138 ] قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بفناء الكعبة محتبيا بيده هكذا ، زاد البيهقي وشبك بين أصابعه .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أبو داود عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «كيف بكم وبزمان يغربل الناس فيه غربلة ، ويبقى حثالة من الناس قد مرجت عهودهم وأماناتهم ، واختلفوا ، وكانوا هكذا ؟ » وشبك بين أصابعه .

                                                                                                                                                                                                                              وروى البزار عن ثوبان رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «كيف أنتم في قوم مرجت عهودهم وأيمانهم وأماناتهم وصاروا هكذا ؟ » وشبك بين أصابعه .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الطبراني عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله تعالى عنه قال : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فقال : «كيف ترون إذا أخرجتم في زمان حثالة من الناس قد مرجت عهودهم ونذورهم ، فاشتبكوا فكانوا هكذا ؟ » وشبك بين أصابعه ، قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : «تأخذون ما تعرفون ، وتدعون ما تنكرون ، ويقبل أحدكم على خاصة نفسه ، ويذر أمر العامة» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الطبراني عن عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «كيف أنت إذا كنت في حثالة من الناس ، واختلفوا حتى يكونوا هكذا ؟ » وشبك بين أصابعه ، قال : الله ورسوله أعلم ، قال : «خذ ما تعرف ودع ما تنكر» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام الشافعي وأحمد وأبو داود والنسائي بسند صحيح على شرط مسلم عن جبير بن مطعم رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «إنا نحن وبنو المطلب شيء واحد» وشبك بين أصابعه .

                                                                                                                                                                                                                              وروى البيهقي في الزهد عن أبي ذر رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «كيف أنت إذا كنت في حثالة من الناس ؟ » وشبك بين أصابعه ، قلت : يا رسول الله ما تأمرني ؟ قال : «اصبر اصبر اصبر» ثلاثا «خالقوا الناس بأخلاقهم ، وخالفوهم في أعمالهم» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الترمذي عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إذا دفن العبد الكافر يقول له القبر : لا مرحبا ولا أهلا ، ثم يلتئم عليه حتى تختلف أضلاعه» ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصابع يديه فشبكها .

                                                                                                                                                                                                                              وروى مسلم وأبو داود عن جابر رضي الله تعالى عنه جاء في حديث الحج قال : قام [ ص: 139 ] سراقة فقال : يا رسول الله ألعامنا هذا أم للأبد ؟ قال : فشبك رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابعه في الأخرى ، وقال : «دخلت العمرة في الحج مرتين» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن عساكر عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أي المؤمنين أحلم ؟ » قلت : الله ورسوله أعلم ، قال : «إذا اختلفوا» -وشبك بين أصابعه- «وأبرهم أبصرهم بالحق ، وإن كان في عمله تقصير ، وإن كان يزحف زحفا» .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية