الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              الباب الثامن فيما كان صلى الله عليه وسلم يعافه من الأطعمة

                                                                                                                                                                                                                              وفيه أنواع :

                                                                                                                                                                                                                              الأول : فيما كرهه صلى الله عليه وسلم من الخضراوات .

                                                                                                                                                                                                                              روى الإمام أحمد ومسلم واللفظ له عن أبي سعيد رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على مزرعة بصل بخيبر هو وأصحابه ، فنزل ناس منهم ، فأكلوا ، ولم يأكل آخرون ، فرجعنا إليه ، فدعا الذين لم يأكلوا ، وأخر الآخرين حتى ذهب ريحها وتجمعا .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الدارقطني في «غرائب مالك» ، وابن عدي عن أنس رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يأكل الثوم ، ولا الكراث ، ولا البصل ، من أجل أن الملائكة عليهم السلام تأتيه ، ومن أجل أنه يكلم جبريل عليه السلام .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن سعد عن أبي أيوب رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل إليه بطعام يعني حضره ، وفيه بصل وكراث ولم ير فيها أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأبى أن يأكله ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أستحي من الملائكة وليس بمحرم» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى عنه رضي الله تعالى عنه أنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتي بطعام أصاب منه ، ثم بعث به إلينا ، فبعث إلينا بطعام لم يصب منه فقلت إن لهذا الطعام لشأنا ، فلقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت له : إنه لم يكن يأتينا من قبلك شيء إلا وقد أصبت منه ما شاء الله ، فقال : «إن هذه بقلة أكرهها ، ولكن كلوها» ، قال : إني أكره ما كرهت يعني الثوم .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن سعد عن إبراهيم بن عبد الأعلى عن سويد قال : أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بقصعة فيها ثوم ، فوجد ريح الثوم ، فكف يده ، وكف معاذ رضي الله تعالى عنه يده ، فكف القوم أيديهم ، فقال لهم : «ما لكم ؟ » فقالوا : كففت يدك ، فكففنا أيدينا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «كلوا باسم الله ، فإني أناجي ما لا تناجون» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن سعد عن عبد الله بن وهب قال : سمعت أبا صخر ، وعن يزيد بن قسيط قالا : أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بسويق لوز ، فلما خيض له قال : «ماذا ؟ » قالوا : سويق اللوز قال : «أخروه عني هذا شراب المترفين» . [ ص: 218 ]

                                                                                                                                                                                                                              الثاني : فيما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعافه من اللحوم .

                                                                                                                                                                                                                              روى الطبراني وابن عدي عن عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكره من الشاة سبعا : المرارة والمثانة والحياء والذكر والأنثيين والغدة والدم .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الطبراني عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكره من الشاة سبعا : المرارة والمثانة والحياء والذكر والأنثيين والغدة والدم ، وكان أحب الشاة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدمها .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن السني عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكره الكليتين لمكانهما من البول .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أبو الحسن بن الضحاك عن البراء بن عازب رضي الله تعالى عنهما قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكره من لحوم الطير والوحش ما أكل الجيفة .

                                                                                                                                                                                                                              وروى مسدد برجال ثقات عن رجل من الأنصار رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل أدنى القلب .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن أبي شيبة بسند ضعيف عن خزيمة بن جزء رضي الله تعالى عنه قال : قلت يا رسول الله جئتك أسألك عن أجناس الأرض فما تقول في الضب ؟ قال : «لا آكله ولا أحرمه» ، قلت : فإني آكل ما لم تحرم ، ولم يا رسول الله ؟ قال : «فقدت أمة من الأمم ، ورأيت خلقا رابني» قال : قلت يا رسول الله ما تقول في الأرنب ؟ قال : «لا آكله ولا أحرمه» ، قال : قلت يا رسول الله فإني آكل ما لم تحرم ، ولم يا رسول الله ؟ قال : «نبئت أنها تدمي»

                                                                                                                                                                                                                              الحديث .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أبو داود عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال : جيء بأرنب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنا جالس عنده ، فلم يأكلها ، ولم ينه عن أكلها ، وقال : «إنها تحيض» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام مالك عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال : دخلت أنا وخالد بن الوليد على رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت ميمونة ، وكانت خالته ، فأتي بضب محنوذ فأهوى إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده فقال بعض النسوة في بيت ميمونة : أخبروا رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يريد أن يأكل منه ، فقيل له : إنه ضب يا رسول الله ، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده ،

                                                                                                                                                                                                                              فقيل : أحرام هو يا [ ص: 219 ] رسول الله ؟ قال : «لا ، ذلك لم يكن بأرض قومي ، فأجدني أعافه» ،

                                                                                                                                                                                                                              فاجتره خالد فأكله ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر
                                                                                                                                                                                                                              .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن سعد عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال : أهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم سمن وأقط وضب فأكل من السمن والأقط ، وقال : «الضب ، هذا شيء ما أكلته قط ، فمن أراد أن يأكله فليأكله» ، قال : فأكل على خوانه .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أيضا عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال : أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبعة أضب في جفنة ، وقد صب عليها سمن قال : «كلوا» ، ولم يأكل ، فقال : يا رسول الله أنأكل ، ولا تأكل ؟ قال : «إني أعافها» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الطبراني ، ورجاله رجال الصحيح ، عن امرأة من أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت : أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بضب فقال : «كلوه ، لا بأس به ، ولكنه ليس من طعام قومي» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى قاسم بن أصبغ عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ذات يوم ليت عندنا خبزة بيضاء من برة سمراء ملبقة بسمن فنأكلها ، فقام رجل فعملها ، ثم جاء بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : «فيم كان سمنك ؟ » قال : في عكة ضب ، فعافه رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الطبراني من طريقين عن ميمونة أنها أهدي لها ضب ، فأتاها رجلان من قومها ، فأمرت به فصنع ثم قربته إليهما ، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وهما يأكلان ، ثم أخذ ليأكل فلما أخذ اللقمة إلى فيه ، قال : «ما هذا ؟ » قلت : ضب أهدي لنا ، فوضع اللقمة ، وأراد الرجلان أن يطرحا ما في أفواههما ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا تفعلا ، إنكم أهل نجد تأكلونها وأما نحن أهل تهامة نعافها» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الشيخان والنسائي عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل الضب ، وهو على المنبر ، قال : «لا آكله ولا أحرمه» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن سعد عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال : دخلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا ، وخالد بن الوليد ، على ميمونة بنت الحارث فقالت : ألا أطعمكم من هدية أم عتيق ؟ فقال :

                                                                                                                                                                                                                              بلى قال فجيء بضبين مشويين فتبزق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال خالد رضي الله تعالى عنه : كأنك تقذره قال : «أجل»
                                                                                                                                                                                                                              . [ ص: 220 ]

                                                                                                                                                                                                                              وروى أيضا عن محمد بن سيرين رضي الله تعالى عنه قال : أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بضب فقال : «إنا قوم قرويون وإنا نعافه» .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية