الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
سلبيات الحوار الديني

قلنا فيما مضى : إن السـبب المباشر في التنازع والشقاق بين المذاهب والفرق الإسلامية راجع بالدرجة الأساس إلى عدم اعتماد الحوار الحق فيما بينهم، وربما يكون السبب كامنا في عدم قدرتهم على إدارة الحوار بعقلية مرنة وروح صادقة تهدف الوصول إلى الحقيقة، وإذا كان النزاع والخلاف بين أتباع المذاهب في فترة زمنية معينة راجعا إلى التعصب المذهبي، فإن هـذا التعصب المقيت لا يزال يلقي بظلاله على مسيرة المذاهب والفرق الإسلامية، مما يشكل عائقا كبيرا من معوقات الحوار بين أتباع تلك المذاهب، إضافة إلى ذلك التعصب، فإن هـناك جملة من السلبيات التي تقف بوجه الحوار الديني بين أتباع المذاهب والفرق الإسلامية المعاصرة، لعل من أبرزها:



[1] [ ص: 122 ]

1- المنهج الحر في تفسير النصوص الشرعية

ويعتمد هـذا المنهج على انتقاء آيات وأحاديث معينة والتمسك بحرفية النصوص من غير التفات للمقاصد العامة للتشريع، ومن دون اعتبار لأسباب النزول ولا معرفة بأصول الاستدلال اللغوي والفقهي. 2- أخذ المعرفة الدينية عن طريق السماع

قد عمد بعض أتباع المذاهب والفرق الإسلامية إلى أخذ المعلومة الشرعية عن طريق الخطباء والوعاظ، والاسـتخفاف بآراء الأئمة المجـتهدين بغير علم ولا هـدى، وادعى بعضهم أنهم يأخذون الحكم الشرعي من القرآن أو من السنة مباشرة، ولاحاجة لهم للاستئناس بآراء علماء الأمة وتوجيهاتهم على امتداد تاريخ الإسلام، وكان من نتيجة ذلك أن تورط عدد منهم في إصدار فتاوى تخالف صريح المعقول والمنقول وتخالف الشريعة مخالفة لا تحتمل التأويل. 3 - العزلة عن المجتمع

فقد نادت بعض الجماعات الإسلامية بفكرة العزلة عن الحياة العامة، وتكوين مجتمع خاص بهم تطبق فيه مبادئ الإسلام وأحكامه، مبررين ذلك بأن الجماعة الإسلامية تعيش هـذه الأيام «مرحلة العهد المكي» حيث كان المسلمون مستضعفين لم تقو شوكتهم بعد، ولا شك أن هـذه الدعوة إلى العزلة وعدم مشاركة الأمة في حياتها العامة هـي من أخطر السلبيات التي تواجه الحوار الديني فيما بين أتباع المذاهب والفرق الإسلامية بعضهم مع بعضهم الآخر، وفيما بينهم من جهة وبين أصحاب الأفكار التحررية من جهة أخرى. [ ص: 123 ] ويكمن العلاج الدقيق لهذه السلبيات بالعمل على تصحيح الأفكار وتقويم العـوج المستشري في فهم الإسلام من خلال طرح المجاملات جانبا وتهيئة النفوس لقبول الحق وطرح رداء التعصب المذهبي وإزالة الغبار عن روح التشريع الإسلامي ومقاصده العامة.

إن الحوار الديني مطالب اليوم بترتيب الأولويات الشرعية في إطارعمل إسلامي يسعى لتحقيق المصلحة العامة، بغض النظر عن المذهب أو الجماعة التي ينتمي إليها، ليكون الهدف الأساس من ذلك رصد مشاكل الأمة ودراستها بعقلية مرنة وتقديم الحلول المناسبة لها.

ويمـكن لنا أن نحـدد أبرز الأولويات التي يطالب بـها الحوار الديني بما يلي:



[2] 1- المشاركة في تحقيق الاستقلال السياسي والاقتصادي

إن الجماعات الإسلامية على اختلاف مذاهبها وفرقها مطالبة أن تشارك مع القوى السياسية والاجتماعية الأخرى في دفع أخطار التبعية السياسية والاقتصادية للعرب والمسلمين، ولا بد من وضع هـذا الأمر في المرتبة الأولى من سلم الأولويات؛ لأن الأمة التي لا تملك استقلالها السياسي وإرادتها الاقتصادية لا يمكن لها أن تمارس واجباتها الدينية على الوجه الأكمل، ولا يمكن لها أن تساهم في إصلاح أوضاعها الداخلية مادامت تخضع لقوى خارجية في رسم سياستها وتحديد طبيعة علاقتها مع الآخرين. [ ص: 124 ]

2- تشخيص أزمة الإنسان المعاصر

فالفكر الإسـلامي يمتاز عن الأفكار الأخرى بما يحمله من وسائل فعالة في معالجة الآثار السيئة للثورة العلمية والتقنية المعاصرة، ويجب على الجماعات الإسلامية أن تلفت أنظار الناس إلى هـذه الميزة بدل أن تشغل نفسها في الوقوع بالخلافات والنزاعات المقيتة التي تجر الويل عليها وعلى علاقات الحوار بينها، ومن هـنا يجب على المـذاهب الإسـلامية تحديد الوعي لحقيقة «العالمية» كما يفهمها الإسلام، بحيث لا يكون الولاء والانتماء الوطني والإقليمي والقومي عائقا من عوائق تطبيق الحكم الشرعي بصيغته العالمية خاصة بعد أن تحول العالم اليوم إلى «قرية صغيرة» نتيجة للثورات العلمية والتقنية في ميدان تبادل المعلومات وتطور وسائل الاتصال.

إن إطلاق قوى العقل ونشاطها الهائل قد كرس مفهوم الحضارة المادية النفعية بدلا من مفهوم الحضارة الإنسانية، فأصبح الإنسان المعاصر يجتهد في حيازة ألوان وأشكال المكاسب المادية، في مقابل فتور وتراجع حرارة العلاقة مع الآخرين المبنية على الجوانب الإنسانية، ومن هـنا فإن الأمة الإسلامية مطالبة بأن يكون لها إسـهام حقيقي مبدع وفعال في علاج هـذه الآثار المدمرة من خلال فهم مبادئ الإسـلام وتجديد عرضه بأسـلوب العصر، وتجاوز عدد من التفسـيرات التي فرضتها ظروف سابقة للأمة، ولم تعد اليوم صالحة لمعالجة ما يحمله هـذا العصر من تحديات هـائلة تعترض مسيرة الأمة وكيانها الثقافي والقيمي والأخلاقي. [ ص: 125 ] وبناء على هـذه المعطيات يجب أن يكون الحوار بين المذاهب والفرق الإسلامية موجها نحو المشـاكل الكبيرة التي تواجه الأمة، بعيدا عن المنازعات الفقهية التفصيلية التي ينبغي أن تكون ضمن إطارها الفني التخصصي المعتمد على القاعدة الفقهية التي تقول: «مذهبنا راجح يحتمل الخطأ ومذهب غيرنا مرجوح يحتمل الصواب» والمتمثل في صيغة وجهات النظر العلمية المتعددة بناء على أن الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية، واسـتنادا إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر )



[3] وبذلك نضمن حوارا هـادفا يسعى لوحدة كلمة الأمة ويحفظ لكل مذهب خصوصـيته ولكل فرقة اسـتقلالها بما لا يتعارض مع شمولية البناء الحضاري للأمة ومصالحها العامة.

التالي السابق


الخدمات العلمية