الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
التفاعل الحضاري بين الأمم

ويقصد به: أن الحضارة المعاصرة هـي نتيجة حتمية لتراكم معرفي وعلمي واجتماعي متواصل منذ بدء الخليقة وإلى اليوم.

وإذا أمعنا النظر في الحضارة الإسلامية فإننا نجدها قد قامت على أساس التفاعل الحضاري، وهي بذلك تعتمد ثقافة الحوار والتواصل، حيث أخذت عن الحضارات السابقة، واقتبست من ثقافات الأمم والشعوب التي احتكت بها، وصهرت جميع ذلك في بوتقة الإسلام، فكانت حضارة إنسانية لها أثر كبير في نقل روح المدنية إلى جميع الشعوب التي تفاعلت معها، وهو الأمر الذي يعترف به معظم الكتاب والمفكرين الأوربيين الذين تخلصوا من التعصب المقيت وكتبوا بإنصاف عن تاريخها، حيث يرون أن الحضارة الإسلامية احتفظت بمركزالصدارة منذ أوائل العصور الوسطى ليس في الشرق فحسب بل في الغرب أيض ا، إذ نمت الحضارة الغربية في ظل الحضارة الإسلامية التي كانت أكثر رقيا منها وقتئذ



[1] .

ولا شك أن قاعدة التسامح التي يقوم عليها الإسلام هـي التي فتحت أمام الأمة الإسلامية السبيل إلى الاحتكاك بالأمم والشعوب، وشجعت المسلمين على التفاعل مع الحضارات والثقافات الأخرى، حيث كان الإسلام بذلك أرقى الأديان في تحقيق مبدأ التسامح الذي هـو القاعدة الأساسية للتفاعل الحضاري



[2] . [ ص: 148 ] ويستند التفاعل الحضاري في مفهوم الإسلام إلى مبدأ التدافع الحضاري وليس فكرة الصراع الحضاري، وهو المبدأ القرآني المحض الذي نجد له أصلا في قوله تعالى:

( ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ) (البقرة:251)

وفي قوله تعالى: ( ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هـي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم ) (فصلت:43)

فالتفاعل في الإسلام عملية تدافع لا تنازع، وتحاور لا تناحر، بمعنى: أن كل أمة تدفع الأخرى وتتنافس معها نحو الأفضل والأحسن؛ لأن التفاعل يفيد استمرار الحياة والتصارع يؤدي إلى الفناء، وبهذا يكون التفاعل الحضاري حوارا دائما ينشد الخير والحق والعدل والتسامح للإنسانية، بغض النظر عن توجهاتها الفكرية والأيدلوجية



[3] .

إن التفاعل الحضاري والتواصل الثقافي الذي يوصل إلى الحوار العلمي الهادئ يجب أن لا يكون نوعا من الترف الفكري الذي ليس له انعكاس على الواقع المعاصر ولا تصل آثاره إلى دوائر صنع القرار في الأمة، كما أن الحـوار بين الأمم ذات الحضارات والثقافات المختلفة يجب أن لا ينطلق من الإحساس بالتفوق العنصري أو الاستعلاء الحضاري أو روح الهيمنة الثقافية؛ لأن الحوار الذي يكون قائما على أساس الشعور بالتفوق والاستعلاء لا يؤدي الأهداف التي من أجلها تنشأ علاقات التواصل الثقافي بين الأمم، بل إنه ربما يعود على [ ص: 149 ] الهدف بما يناقضه، ومن هـنا ينبغي أن يكون الهدف من الحوار هـو إقامة قيم التسامح وإذكاء روح التعارف الثقافي والعلمي، ذلك التعارف بالمعنى القرآني السامي الذي هـو الأصل في تعامل الشعوب والأمم بعضها مع بعضها الآخر، استنادا إلى قوله تعالى:

( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير ) (الحجرات:13)

إن التفاعل الحضاري الذي يراد منه أن تتخلى الأمة عن هـويتها وخصائصها الذاتية وتصوراتها الفكرية لا يمكن أن يكون في حال من الأحوال تفاعلا إيجابيا وناجح ا؛ لأنه بذلك يكون نوعا من أنواع التبعية الثقافية والفكرية، كمأ أنه يؤدي إلى أن تصبح الأمة متلقية لفكر جديد وتصور مستورد، وعندئذ ستكون مغزوة في فكرها ومهددة في وجودها وكيانها، وستكون ضحية عدوان أيدلوجي وفكري وثقافي، وهو أشـد أنواع العدوان وأعلى مرحلة من مراحل محو الثـقافة



[4] ولن ترضى الأمة الإسلامية أن يكون التفاعل الحضاري غزوا لثـقافتها أو محوا لحضارتها وذوبانا في ثقافات الأمم واندماجا في حضارات الشعوب بدعوى التواصل الثقافي أو التحاور الحضاري، فالعالم العربي والإسلامي الذي يمد جسور التلاقي والتعاون والتفاعل مع الأديان السماوية والثقافات والحضارات الأخرى لا يقبل أن يكون ضحية تغريب العالم من خلال تفاعل حضاري يفقد معنى العطاء المتوازن والمنفعة المتبادلة. [ ص: 150 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية