الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
المقدمة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، سيد الأولين والآخرين.. وبعد،

فالحوار فن من فنون الكلام والمحادثة، وصيغة متقدمة من صيغ التواصل، والتفاهم، وأسلوب من أساليب العلم والمعرفة، ومنهج من مناهج الوعي والثقافة، ووسـيلة من وسـائل التبليغ والدعوة، استعمله البلغاء والفصحاء في صناعتهم، وعمدت إليه الشـعوب في تواصلها وتفاعلها مع غيرها ممن يحيط بهم، واختطه المفكرون والمربون أسـلوبا ومنهجا في تعليمهم، واعتمده الأنبياء والرسل والمصلحون في دعوة الناس إلى الخير والفضيلة والرشاد.

ومع إفرازات النظام العالمي الجديد، سـواء على صعيد الثقافة والقيم، أو على صعيد السياسة والاقتصاد، تزايد الاهتمام بالحوار، وتعمق الاقتناع به وبدوره في تحقيق وفاق ثابت بين أبناء الأمة الواحدة، وتفاهم مشترك بين الشعوب المختلفة على أساس قاعدة الكرامة والعدالة والمساواة، حتى شاع استخدام الحوار على مختلف الصعد، وفي شتى الميادين، الثقافية والفكرية والحضارية، فأصبح أحد الظواهر المهمة للعصر الحالي، الذي يتميز بثورة المعلوماتية والاتصال ، التي هـي إحدى ثمرات العلم المتفجرة عنه، وبهذا قوي [ ص: 31 ] التواصل بين بني البشر، واتسعت دائرة الحوار، وتنوعت موضوعاته بصورة لم تعرفها الإنسانية من قبل.

ومن خلال هـذه المعطيات يبرز دور الحوار وتظهر أهميته في تأسيس صيغة معرفية متجددة تعتمد تزاوج الأفكار، وتبادل الرؤى، وتداول الطروحات، من خلال سماع الرأي (الآخر) والإصغاء إليه والاهتمام به، تحقيقا للتواصل العلمي والمعرفي، وابتعادا عن العزلة والانكفاء الذي لم يبق لهما مكان في عالم اليوم.

ولا بد من الإشارة إلى تنوع أشكال الحوار وتعدد موضوعاته بتنوع مقاصده وأغراضه، ليواكب الحاجات الفطرية الإنسانية، فكان منه ما يعنى بالمناهج الفكرية، ومنه ما يعنى بالجوانب التربوية التعليمية، ومنه ما يعنى بالجوانب الثقافية المعرفية، ومنه ما يعنى بتحديد العلاقة بين الأمم والشعوب، الأمر الذي يتطلب البحث والدراسة لتحديد آثاره وثمراته في كل جانب من تلك الجوانب، وعلى هـذا الأساس جاءت هـذه الدراسة بعنوان: «الحوار الذات.. والآخر» لتعالج أبرز موضوعاته وأغراضه ومقاصده.

ولما كان الهدف من هـذه الدراسة هـو إبراز أهمية الحوار، ومنهجيته ومقوماته، ومقاصده وأغراضه، من حيث الحوار مع الذات والحوار مع (الآخر) ، فقد اقتضى ذلك أن توزع الدراسة إلى تمهيد وفصلين وخاتمة.

حددت في التمهيد مفهوم الحـوار وبعض المصطلحات المماثلة المقاربة له في المعنى، كما تكلمت عن طبيعة الحوار في عصر النهضة والعصر [ ص: 32 ] الحديث، الذي ارتبط بظهور العديد من النظريات التربوية والأيديولوجيات الفكرية مما عمل على توسيع دائرة المعارف وانتشار الثقافة والفكر.

أما الفصل الأول فقد كان عنوانه: «منهجية الحـوار» وقد تم توزيعه إلى ثلاثة مباحث، كان المبحث الأول فيه بعنوان: مقـومات الحوار، حيث أوضحت فيه أبرز تلك المقومات من الأركان والقواعد العامة التي يجب أن يشتمل عليها الحوار؛ وتطرقت في المبحث الثاني إلى شروط الحوار، وضوابطه، والآداب التي ينبغي أن تسود العملية الحوارية ويتمثل بها أطراف الحوار؛ وخصصت المبحث الثالث للتطرق إلى جملة من المعوقات الشخصية المرتبطة بالمتحاورين أو الموضوعية التي تؤثر سلبا على عملية الحوار.

أما الفصل الثاني فقد جاء تحت عنوان: « أنواع الحوار وأساليبه» وتم تقسيمه إلى مبحثين أساسين، كان المبحث الأول متعلقا بالحوار مع الذات، حيث تطرق إلى حـوار النفس الإنسانية مع ذاتها، وإلى حوار أبناء الأمة فيما بينهم، من خلال حوار أتباع المذاهب والفرق، والعلاقة بين الإسلام والعروبة، وحوار الشعوب مع الحكام؛ واختص المبحث الثاني بالحوار مع (الآخر) الذي يشمل حوار الحضارات والثقافات والأديان.

ثـم أنهيت الدراسـة بخاتـمة ذكرت فـيها أهم وأبرز النتائج التي توصلت إليها.

أما المصادر التي اعتمدتها، فقد كانت متعددة ومتنوعة تبعا لتنوع الموضوعات التي يتطرق إليها الحوار، كان في المقدمة منها القرآن الكريم. [ ص: 33 ] ومجموعة من تفاسيره، والسنة النبوية من خلال كتب الصحاح والسـنن والمسانيد، كذلك أفدت من عدد من المصادر التاريخية وكتب الحضارة الإسلامية، إضافة إلى العديد من الكتب الفكرية والثقافية العامة، وبعض مواقع الشبكة العالمية « الإنترنت » ودراسات أخرى لها علاقة بهذا الموضوع.

ولا بد من الإشـارة هـنا إلى أنني عنيت ببحث هـذا الموضوع بروح الحيادية العلمية والإنصاف الفكري، معتمدا وضوح المنهج، ومرونة الطرح، وسلاسة العبارة، ودقة الإحالة، وسعة الأفق في المعالجة، بعيدا عن التعصب لطرف على حسـاب طرف آخر، قاصدا بذلك صياغة منهجية حوار إسلامي يتعامل مع عصر الثورة المعلوماتية بعقلية المسلم المثقف الغيور على دينه وعقيدته.

ومهما يكن من أمر، فإنه لا يمكن أن أدعي الكمال لهذه الدراسة، فهي لا تعدو أن تكون محاولة مخلصة للكشف عن مقومات الحوار في الإسلام، ومنهجيته العلمية في الحوار مع الذات، والحوار مع (الآخر) ، من خلال التفاعل الحضاري مع الشعوب والأمم الأخرى، فإن كان صوابا فهذا ما وفقني الله إليه، وإن كان غير ذلك فحسبي أنني لم أدخر جهدا في سبيل الوصول إلى الحقيقة وإبراز رأي من منظور إسلامي في هـذه المسألة المهمة والملحة، والله من وراء القصد. [ ص: 34 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية