الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
حدود الحوار بين المسلمين والغرب

المسلمـون: هـم الكتلة البشرية التي تدين بالإسـلام وتنتسب إلى عقيدته وحضارته وثقافته، ويوحد بينها الانتماء إلى هـذا الدين الذي جعل منها أمة واحدة.

أما الغرب: فهو أقاليم جغرافية تسكنها شعوب متفرقة العقائد مختلفة المشارب مثلت منظومة حضارية من القيم والأفكار والمذاهب والسياسات.

والملاحظ أن الغرب شعوب تبحث عن مصالحها وتضعها في مقدمة أولوياتها، وتتعامل مع العالم من منطلق الحرص على تلك المصالح واسـتثمارها وتنميتها والحفاظ عليها بشتى الوسائل والسبل، حتى ولو كان في ذلك هـدر لحقوق الآخرين أو انتقاص من مكانتهم.



[1]

إن الحوار الحضاري بين الأمم والشـعوب المتعددة لا يمكن أن يتحقق إلا مع أطراف تجمعها الرغبة المشتركة في تحقيق أهداف معلومة متفق عليها، فإذا افتقر الحـوار إلى هـذه الرغبة فسيكون ضربا من العبث أو إملاء للرأي وفرضا له من طرف على طرف آخر مما يجعله فاقدا للشرعية العلمية، مفرغا من دلالته الفكرية، مكرسا معنى الهيمنة والغطرسة وفرض الأمر الواقع.

ومن هـنا فإن حـوار المسلمين مع الغرب ينبغي أن ينطلق من هـذه الأسـس والمعاني الواضحة لتحقيق الأهداف المرجوة منه، ولكن يبدو أن الغرب الذي ناصب أمتنا الإسلامية العداء لفترات طويلة، فاحتل أراضينا، [ ص: 151 ] واستنـزف خيراتنا وأسـاء إلى مصالحنا، وخضنا معه معارك سـياسية واقتصادية حين ا، ومعارك عسكرية حينا آخر، فإننا حين نتعامل معه لا نملك أنفسنا من استحضار تلك المشاهد المؤثرة في أعماق نفوسنا، ولكن الإرادة القوية التي تحدونا إلى التواصل والتعاون مع الشعوب الأخرى هـي التي تجعل الأمة مقتنعة بالحوار مع (الآخر) للدخول في مرحلة جديدة من التفاهم والتعايش والتفاعل الحضاري، وهذا في الحقيقة يؤكد انتصار المسلمين على مخلفات الماضي بهدي من ديننا الذي يدعو إلى التسامح حرصا من الأمة على دعم الحوار الحضاري، وتعزيزا لدوره في إثراء العلاقات الدولية وإنعاش الاتصال بين شعوب العالم وأممه، ولكن هـل انتصر الغرب على مخلفاته التاريخية؟ وهل تغلب على عقده المتراكمة؟

إن المسلمين اليوم يؤكدون على تجاوز مخلفات الماضي وعقده بروح من الصفاء والسماحة، وبعقلية مرنة تضع المصالح العليا للأمة فوق كل اعتبار؛ لأنها ترى أن الحوار مع الآخر (الغرب) أصبح اليوم ضرورة ترقى إلى درجة ومستوى فرض الكفاية، ولكن هـذا الحوار والتواصل له حدود وضوابط لا بد من الوقوف عندها وعدم تجاوزها، وهي:



[2]

1 - أن يكون الحوار متكافئ ا، تتوفر فيه شروط المساواة والإرادة المشتركة، بحيث تتعدد مستوياته ليكون حوارا شاملا يدور مع مختلف [ ص: 152 ] الشرائح والفئات سواء على المستوى الحكومي أو على مستوى المؤسسات الأهلية والاجتماعية التي لها علاقة بالقضايا المركزية.

2 - أن يهدف الحوار إلى تحقيق المصالح المشتركة للطرفين التي لها علاقة بالتقدم العلمي في كافة مجالات الحياة الفكرية والثقافية والاقتصادية.

3 - أن يكون الحوار متحضرا ومترفعا عن الموضوعات التي تتعلق بالخصوصية العقائدية والأخلاقية للأمم والشعوب التي من شأنها إذا أثيرت أن تؤدي إلى إيقاف الحوار أو عدم فاعليته.

4 - أن يكون الحوارمعدا وفق برامج مسبقة يكون الغرض منها التواصل والتفاهم لتحقيق التفاعل الحضاري، بعيدا عن فكرة التصارع والتنازع المقيت.

إن المتابع لجولات الحوار الحضاري يجد أنه قد عقدت خلال العقود الخمسة الأخيرة من القرن الماضي حوالي ثلاثين جولة من حوار المسلمين مع الغرب اتخذت شكل المؤتمرات والندوات والحلقات العلمية، ولكن القضايا والموضوعات التي تطرح في تلك اللقاءات كان الجانب الغربي هـو الذي يختارها ويعد برامجها، مما يشير إلى حالة عدم التكافؤ في فرص الطرح والمعالجة، الأمر الذي يدعو إلى مراجعة نقدية لجميع الموضوعات والصيغ التي تطرح في جولات الحوار بما يضمن تحقيق التكافؤ بين طرفي الحوار وصولا إلى نتائج ومعطيات تلبي الأهداف المشتركة للطرفين وتخدم مصالحهما. [ ص: 153 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية