الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما أخبر - سبحانه - بإعماء أفكارهم؛ وهدد بطمس أبصارهم؛ ومسخهم على مقاعدهم وقرارهم؛ وأعلم بأن كتابه خاتم بإنذارهم؛ ذكرهم بقدرته؛ وقررهم تثبيتا لذلك ببدائع صنعته؛ فقال - عاطفا على ما تقديره: "ألم يروا ما قدمناه وأفهمته آية "ومن نعمره"؛ وما بعدها من بدائع صنعنا؛ تلويحا؛ وتصريحا؛ الدال على علمنا الشامل؛ وقدرتنا التامة؟! فمهما [ ص: 172 ] صوبنا كلامنا إليه حق القول عليه؛ ولم يمنعه مانع؛ ولا يتصور له دافع" -: أولم يروا ؛ أي: يعلموا علما هو كالرؤية؛ ما هو أظهر عندهم دلالة من ذلك في أجل أموالهم؛ ولا يبعد عندي - وإن طال المدى - أن يكون معطوفا على قوله: ألم يروا كم أهلكنا قبلهم من القرون فذاك استعطاف إلى توحيده؛ بالتحذير من النقم؛ وهذا بالتذكير بالنعم؛ ونبههم على ما في ذلك من العظمة بسوق الكلام في مظهرها؛ كما فعل في آية إهلاك القرون؛ فقال: أنا خلقنا لهم ؛ وخصها بنفسه الشريفة؛ محوا للأسباب؛ وإظهارا لتشريفهم بتشريفها؛ في قوله: مما عملت ؛ ولما كان الإنسان مقيدا بالوهم؛ لا ينفك عنه؛ ولذلك يرى الأرواح في المنام في صور أجسادنا؛ وكانت يده محل قدرته؛ وموضع اختصاصه؛ عبر له بما يفهمه؛ فقال: أيدينا ؛ أي: بغير واسطة؛ على علم منا؛ بقواها؛ ومقاديرها؛ ومنافعها؛ وطبائعها؛ وغير ذلك من أمورها؛ أنعاما ؛ ثم بين كونها لهم؛ بما سبب عن خلقها من قوله: فهم لها مالكون ؛ أي: ضابطون؛ قاهرون؛ من غير قدرة لهم على ذلك؛ لولا قدرتنا بنوع التسبب.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية