الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما بلغ السيل - في ركوبهم الباطل عنادا - الزبى؛ وتجاوز في طغيانه رؤوس الربى؛ وكان سؤالهم في تعجيل العذاب استهزاء؛ مع ما قدموا من الإكذاب؛ والكلام البعيد عن الصواب؛ ربما اقتضى أن يسأل في تعجيل ما طلبوا؛ وربما أوقع في ظن أن إعراضهم والابتلاء بهم ربما كان لشيء في البلاغ؛ أو المبلغ؛ بين (تعالى) أن عادته الابتلاء للصالحين؛ رفعة لدرجاتهم؛ فقال (تعالى) - مسليا؛ ومعزيا؛ ومؤسيا لهذا النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - بمن تقدمه من إخوانه الأنبياء [ ص: 349 ] والمرسلين؛ مذكرا له بما قاسوا من الشدائد؛ وما لاقوا من المحن؛ وحاثا على العمل بأعمالهم؛ آمرا بالتأني؛ والتؤدة؛ والحلم؛ ومحذرا من العجلة؛ والتبرم؛ والضجر؛ وبدأ بأهل الشرف؛ لأن السياق لشرف القرآن؛ الذي يلزم منه شرف صاحبه؛ تعريفا بأنه لا يلزم من الشرف الراحة في الدنيا؛ ومنبها على أن شرفه محوج عن قرب بكثرة الأتباع إلى الحكم بين ذوي الخصومات والنزاع؛ الذي لا قوام له إلا بالحلم؛ والأناة؛ والصبر؛ وبدأ من أهل الشرف بمن كان أول أمره مثل أول أمر هذا النبي الكريم؛ في استضعاف قومه له؛ وآخر أمره ملكا ثابت الأركان؛ مهيب السلطان؛ ليكون حاله مثلا له؛ فيحصل به تمام التسلية -: اصبر ؛ وأشار بحرف الاستعلاء إلى عظيم الصبر؛ فقال: على ما ؛ وزاد في الحث عليه بالمضارع؛ فقال: يقولون ؛ أي: يجددون قوله في كل حين؛ من الأقوال المنكية الموجعة؛ المبكية؛ فإنه ليس لنقص فيك؛ ولكنه لحكم تجل عن الوصف؛ مدارها زيادة شرفك؛ ورفعة درجاتك؛ وصرف الكلام إلى مقام العظمة؛ لاقتضاء ما يذكر من التسخير لذلك: واذكر عبدنا ؛ أي: الذي أخلصناه لنا؛ وأخلص نفسه للنظر إلى عظمتنا؛ والقيام في خدمتنا؛ وأبدل منه؛ أو بينه بقوله: داود ذا الأيد ؛ أي: القوى العظيمة في تخليص نفسه من علائق الأجسام؛ فكانت قوته [ ص: 350 ] في ذلك سببا لعروجه إلى المراتب العظام.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان أعظم الجهاد الإنقاذ من حفائر الهفوات؛ وأوامر الشهوات؛ بالإصعاد في مدارج الكمالات؛ ومعارج الإقبال؛ وكان ذلك لا يكاد يوجد في الآدميين؛ لما حفوا به من الشهوات؛ وركز في طباعهم من الغفلات؛ علل قوته بقوله - مؤكدا -: إنه أواب ؛ أي: رجاع إلى الله (تعالى) ؛ ليصير إلى ما خلقه عليه من أحسن تقويم؛ بالعقل المحض؛ أطلق العلو درجة درجة على الرجوع؛ لأن ذلك دون الرتبة التي تكون نهاية عند الموت؛ فكأن المقضي له بها أنزل نفسه عنها؛ ثم صار يرجع إليها كل لحظة؛ بما يكابد من المجاهدات؛ والمنازلات؛ والمحاولات؛ حتى وصل إليها بعد التجرد عن الهوى كله؛

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية