الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( ومن ) ( باع ما بدا صلاحه ) من ثمر أو زرع وأبقى ( لزمه سقيه ) حيث كان مما يسقى ( قبل التخلية وبعدها ) قدر ما ينميه ويقيه من التلف لأنه من تتمة التسليم الواجب كالكيل في المكيل والوزن في الموزون .

                                                                                                                            فلو شرط كونه على المشتري بطل البيع لمخالفته مقتضاه ، فلو باعه مع شرط قطع أو قلع لم يجب بعد التخلية سقي كما بحثه السبكي إلا إذا لم يتأت قطعه إلا في زمن طويل يحتاج فيه إلى السقي فنكلفه ذلك فيما يظهر أخذا من تعليلهم المذكور وإن نظر فيه الأذرعي ، ولو باع الثمرة لمالك الشجرة لم يلزمه سقي كما هو ظاهر ، وفي كلام الروضة ما يدل له لانقطاع العلق بينهما ( ويتصرف مشتريه ) أي ما ذكر ( بعدها ) أي التخلية لحصول القبض بها كما مر مبسوط في المبيع قبل قبضه ( ولو عرض مهلك ) أو تعيب ( بعدها ) أي التخلية من غير [ ص: 154 ] ترك سقي واجب ( كبرد ) بفتح الراء وإسكانها كما بخطه ( فالجديد أنه من ضمان المشتري ) لما تقرر من حصول القبض بها لخبر مسلم : { أنه صلى الله عليه وسلم أمر بالتصدق على من أصيب في ثمر اشتراه ولم يسقط ما لحقه من ثمنها } ، فخبره أنه أمر بوضع الجوائح محمول على الأول أو على ما قبل القبض جمعا بين الدليلين ، أما لو عرض المهلك من ترك ما وجب على البائع من السقي كان من ضمانه والقديم أنه من ضمان البائع ، ولو كان المشتري الثمر مالك الشجر ضمنه جزما كما لو كان المهلك نحو سرقة أو بعد أوان الجذاذ بزمن يعد التأخير فيه تضييعا أما ما قبلها فمن ضمان البائع ، فإن تلف البعض انفسخ فيه فقط ( فلو ) ( تعيب ) الثمر المبيع منفردا من غير مالك الشجر ( بترك البائع السقي ) الواجب عليه ( فله ) أي للمشتري ( الخيار ) لأن الشرع ألزم البائع التنمية بالسقي فالتعييب بتركه كالتعييب قبل القبض حتى لو تلف بذلك انفسخ العقد أيضا ، هذا كله ما لم يتعذر السقي ، فإن تعذر بأن غارت العين أو انقطع [ ص: 155 ] النهر فلا خيار له كما صرح به أبو علي الطبري ، ولا يكلف في هذه الحالة تكليف ماء آخر كما هو قضية نص الأم وكلام الجويني في السلسلة ، فإن آل التعييب إلى التلف والمشتري عالم به ولم يفسخ لم يغرم له البائع في أحد وجهين كما رجحه بعض المتأخرين .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : وأبقى ) أي استحق إبقاؤه بأن بيع بعد بدو الصلاح مطلقا أو بشرط إبقائه أخذا من قوله فلو باعه مع شرط قطع إلخ وقوله : أيضا وأبقى : أي والأصل ملك للبائع ا هـ حج .

                                                                                                                            وهو مأخوذ من قول الشارح الآتي : ولو باع الثمرة لمالك الشجر ( قوله : قدر ما ينميه ) قضيته أنه لا يكفي ما يدفع عنه التلف والتعيب بل لا بد من سقي ينميه على العادة في مثله وهو ظاهر ( قوله : ويقيه ) عطف مغاير ( قوله : لأنه من تتمة التسليم الواجب كالكيل في المكيل ) فإن قلت : مقتضى هذا التعليل أنه لا فرق بين كون البائع مالكا للشجر أو لا ، وقد تقدم أنه متى كان الشجر لغير مالك الثمر لم يجب على البائع سقي .

                                                                                                                            قلت : قد يجاب بأن الكيل في المكيل إنما يجب حيث بيع مقدرا ، وكون الثمر والشجر في ملك البائع اقتضى بقاء اليد عليه بعد العقد ، وذلك يقتضي لزوم السقي فأشبه لزوم الكيل في المبيع إذا بيع مقدرا ، بخلاف ما إذا كان الشجر لغير البائع فلم يقو شبهه بالمكيل بل أشبه الجزاف في عدم بقاء علقة المتبايعين ( قوله : بطل ) أي سواء شرط على المشتري سقيه من الماء المعد له أو بجلب ماء ليس معدا لسقي الشجر المبيعة ثمرته ( قوله : لم يجب بعد التخلية ) مفهومه وجوب السقي قبل التخلية وإن أمكن قطعه حالا ، ولم يذكر حج هذا القيد ، فقضيته أنه لا فرق بين ما بعد التخلية وما قبلها ، وهو ظاهر لأن المشتري لا يستحق إبقاءه فلا معنى لتكليف البائع السقي الذي ينميه ، ثم رأيت سم على حج ذكر ما يوافق هذا فراجعه ، وقد يقال بوجوبه قبل التخلية كما أفهمه كلام الشارح ، ويوجه بأن التقصير من البائع حيث لم يخل بين المشتري وبينه ، فإذا تلف بترك السقي كان من ضمانه ، وقد يصرح به قول المصنف أول باب المبيع قبل قبضه من ضمان البائع وأن البائع لا يبرأ بإسقاط الضمان عنه ( قوله : إلا إذا لم يتأت قطعه ) ظاهره أنه لا فرق في وجوب السقي حينئذ بين ما قبل التخلية وما بعدها ا هـ سم على حج .

                                                                                                                            وقوله لانقطاع إلخ يؤخذ منه أن الحكم كذلك إذا باع الثمرة والشجرة معا ا هـ سم أيضا بقي ما لو باع الثمرة لزيد ثم باع الشجرة لعمرو هل يلزم البائع السقي أم لا ؟ فيه نظر ، والأقرب اللزوم ، ويوجه بأنه التزم له السقي فبيع الشجر لغيره لا يسقط عنه ما التزمه ، وهذا بخلاف ما لو باع الثمرة لشخص ثم باعها المشتري لثالث فإن البائع لا يلزمه السقي على ما يؤخذ من كلام سم على حج وإن كان مالكا للشجرة لأن المشتري الثاني لم يتلق من البائع الأول فلا علقة بينهما ، ولكن نقل عن شيخنا الزيادي أنه يلزمه السقي لكونه التزمه بالبيع للمشتري الأول وله وجه لأنه التزمه بالبيع ، وبقاء الشجرة في ملكه مقتض لبقاء العلقة بينه وبين مالك الثمرة وإن كان ملكه الآن من غير مالك الشجرة ، وقد يرد عليه : أي على ما قاله شيخنا الزيادي ما تقدم عن البلقيني من أنه لو باع أرضا بها حجارة مدفونة ثم باع الحجارة مالكها لآخر لم ينزل المشتري لها منزلة البائع ، بل يجب على المشتري لها أجرة مدة النقل سواء نقلها قبل القبض أو بعده ، بخلاف البائع لها فإنه إن نقل قبل القبض لا أجرة عليه أو بعده لزمته الأجرة ( قوله : ولو باع الثمرة ) محترز قول حج والأصل إلخ ولو ذكره الشارح كان أولى ( قوله : ويتصرف ) مستأنف [ ص: 154 ] أي فيه .

                                                                                                                            ( قوله : لما تقرر من حصول القبض بها ) أي وإن كان بيع الثمر بعد أوان الجذاذ كما تقدم في المبيع قبل قبضه ( قوله : أمر بالتصدق ) أي من البائع ( قوله : أما لو عرض المهلك ) أي أو التعيب ( قوله : من ترك ما وجب ) أي بأن بيع لا بشرط القطع أو به ولم يتأت قطعه إلا في زمن طويل على ما مر ( قوله : كان من ضمانه ) أي البائع ( قوله : ضمنه جزما ) وهو واضح مما مر من عدم وجوب السقي على البائع ، وقياسه أن مثل ذلك ما لو باعها لغير مالك الشجرة حيث قلنا بعدم وجوب السقي عليه ( قوله : كما لو كان إلخ ) أي وقد تلف بعد التخلية ، والمراد أن كونه من ضمان المشتري لا خلاف فيه حينئذ ( قوله : أو بعد أوان الجذاذ بزمن ) هذا القيد إنما يحتاج إليه إذا نشأ المهلك من ترك السقي أما إذا لم يكن كذلك فلا حاجة إليه لما تقدم أن المبيع بعد قبضه من ضمان المشتري ( قوله : فمن ضمان البائع ) ظاهره وإن كان التلف والتعيب بترك السقي لما شرط قطعه ( قوله : فإن تلف البعض انفسخ فيه ) أي ويتخير المشتري في الباقي إن كان التلف قبل القبض ( قوله : فلو تعيب الثمر إلخ ) الظاهر أنه لا يشترط في التعيب هنا عروض ما ينقصه عن قيمته وقت البيع ، بل المراد به ما يشمل عدم نموه نمو نوعه لما مر أنه يجب عليه السقي قدر ما ينميه ويقيه من التلف .

                                                                                                                            ( قوله : فله الخيار ) أي فورا ( قوله : حتى لو تلف ) أي حيث كان المشتري جاهلا بأن التعيب يفضي إلى التلف [ ص: 155 ] أخذا من قوله الآتي فإن آل التعيب إلى التلف والمشتري عالم إلخ ( قوله : تكليف ماء آخر ) ظاهر وإن قرب جدا ( قوله والمشتري عالم به ) أي التعيب ( قوله : لم يغرم له ) أي البدل وهل يغرم له الأرش أم لا ؟ فيه نظر ، والأقرب الثاني أخذا من إطلاقه نفي الغرم الشامل للبدل والأصل ( قوله : كما رجحه بعض المتأخرين ) مراده شيخ الإسلام في شرح الروض .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 153 - 154 ] قوله : أمر بالتصدق على من أصيب ) ولفظ مسلم { أن رجلا أصيب في ثمار ابتاعها فقال النبي صلى الله عليه وسلم : تصدقوا عليه ففعلوا ، ولم يبلغ ذلك وفاء دينه ، فقال صلى الله عليه وسلم : خذوا ما وجدتم وليس لكم إلا ذلك } ا هـ . فالضمير في تصدقوا للصحابة غير البائعين كما هو ظاهر السياق ، ولا بد منه ليتم الاستدلال به للجديد ، وما في حاشية الشيخ من ترجيعه للبائعين فلا يتأتى على الجديد بل هو تأويل للحديث بحمله على غير ظاهره من القائلين بالقديم ليوافق حديث وضع الجوائح الذي أخذوا به عكس ما صنع القائلون بالجديد ، وقوله : صلى الله عليه وسلم في الحديث { وليس لكم إلا ذلك } لعل المراد منه ليس لكم إلا ذلك الآن لعدم يسار المشتري حينئذ بباقي الثمن أو نحو ذلك ليتم الاستدلال فليراجع ( قوله : أما لو عرض المهلك من ترك ما وجب إلخ ) أي وأما لو عرض التعيب من ذلك فسيأتي في المتن . ( قوله : كان من ضمانه ) أي فينفسخ العقد كما سيأتي في قوله حتى لو تلف بذلك انفسخ العقد عقب المتن الآتي . ( قوله : أما قبلها فمن ضمان البائع ) أي فينفسخ العقد بتلفه وكان ينبغي له ذكره ليظهر معنى قوله عقبه فإن تلف البعض إلخ .

                                                                                                                            ولعله من النساخ . ( قوله : حتى لو تلف بذلك ) أي بترك البائع السقي خلافا لما في حاشية الشيخ . ( قوله : انفسخ العقد أيضا ) لا موقع لذكر أيضا [ ص: 155 ] هنا ولعله محرف عن قطعا كما هو كذلك في عبارة الجلال المحلي




                                                                                                                            الخدمات العلمية