الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( فإن تلف ) بآفة سماوية أو حصل له ما في معنى التلف كوقوع الدرة في بحر لا يمكن إخراجها منه أو انفلات ما لا يرجى عوده من طير أو صيد متوحش أو اختلاط نحو ثوب أو شاة بمثله ولم يمكن التمييز ، بخلاف نحو ثمر بمثله لأن المثلية تقتضي الشركة فلا تعذر بخلاف المتقوم ، أو انقلاب عصير خمرا ولم يعد خلا .

                                                                                                                            نعم يثبت للمشتري الخيار [ ص: 78 ] وهذا ما اقتضاه كلامهما في باب الرهن وجرى عليه ابن المقري هنا في بعض النسخ وإن أطلقا هنا أنه كالتلف وإن عاد خلا ، ووقوع صخرة على أرض أو ركوب رمل عليها لا يمكن رفعهما كما جزما به في الشفعة واقتضاه كلامهما في الإجارة لكن رجحا هنا كونه تعييبا واعتمده بعضهم ، وفرق ببقاء عين الأرض والحيلولة لا تقتضي فسخا كالإباق والشفعة تقتضي تملكا وهو متعذر حالا لعدم الرؤية والانتفاع والإجارة تقتضي الانتفاع في الحال ، وهو متعذر بحيلولة الماء وترقب زواله لا نظر له لتلف المنافع ، وقد يمنع بأنهم لو نظروا هنا لمجرد بقاء العين لم يقولوا بالانفساخ في وقوع الدرة وما بعده إلا أن يقال بأن الفرق بينهما واضح وهو عدم العلم ببقاء العين في هذه بخلاف الأرض ( انفسخ البيع ) أي قدر انفساخه قبل التلف فتكون زوائده للمشتري حيث لم يختص الخيار بالبائع ( وسقط الثمن ) الذي لم يقبض ، فإن قبض وجب رده لفوات التسليم المستحق بالعقد فبطل كما لو تفرقا في عقد الصرف قبل القبض وينتقل الملك في المبيع للبائع قبيل التلف فتجهيزه عليه لانتقال الملك فيه إليه ، [ ص: 79 ] ولا يستثنى من طرده ما لو وضعه بين يديه عند امتناعه لما مر أنه قبض له ولا إحبال أبي المشتري الأمة وتعجيز مكاتب بعد بيعه شيئا لسيده وموت مورثه البائع لأن قبض المشتري موجود في الثلاثة حكما وهو كاف ، ولا من عكسه أيضا قبض المشتري له من البائع وديعة بأن كان له حق الحبس إذ تلفه بيده كتلفه بيد البائع كما صرحوا به لأنه لا أثر لهذا القبض ولهذا كان الأصح بقاء حبس البائع بعده ، وما وقع للزركشي في هذه آخر الوديعة مما يخالف ما تقرر سهو وإن أقره الشيخ رحمة الله عليه ، ولا ما قبضه المشتري في زمن خيار البائع وحده فتلفه حينئذ كهو بيد البائع فيفسخ العقد به وله ثمنه وللبائع عليه قيمته يوم تلفه لأن الملك حينئذ للبائع فلم يوجد فيه المعنى الذي في البيع بعد الخيار وقبل القبض ( ولو [ ص: 80 ] أبرأه المشتري عن الضمان لم يبرأ في الأظهر ) إذ هو إبراء عما لم يجب وهو غير صحيح وإن وجد سببه .

                                                                                                                            والثاني يبرأ لوجود سبب الضمان فلا ينفسخ به البيع ولا يسقط به الثمن ( ولم يتغير الحكم ) السابق ، وفائدة هذا كما قاله الزركشي نفي توهم عدم الانفساخ إذا تلف وأن الإبراء كما لا يرفع الضمان لا يرفع الفسخ بالتلف ولا المنع من التصرف وإن زعم بعضهم عدم فائدته

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : فإن تلف بآفة ) قيد به أخذا من بيان المصنف فيما يأتي إتلاف المشتري والبائع والأجنبي .

                                                                                                                            وقال حج : ويصدق فيه : أي التلف البائع بالتفصيل الآتي في الوديعة على الأوجه لأنه كالوديع في عدم ضمان البدل ا هـ ( قوله : نحو ثوب ) أي ولو بأجود ( قوله : أو شاة بمثله ) أي للبائع ا هـ حج .

                                                                                                                            ومفهومه أن اختلاط المتقوم بمثله لأجنبي لا يعد تلفا وهو كذلك لكن يثبت به الخيار للمشتري ، ثم إن أجاز واتفق مع الأجنبي على شيء فذاك وإلا صدق ذو اليد ( قوله : ولم يمكن التمييز ) بخلاف ما إذا أمكن وهل يكفي إمكانه بالاجتهاد ا هـ سم على حج .

                                                                                                                            أقول : الظاهر نعم لكن ينبغي أن يثبت للمشتري الخيار ( قوله : نحو تمر بمثله ) الظاهر من التمثيل أن المراد بنحو التمر اختلاط مثلي بمثله من جنسه ونوعه وصفته ، وعليه فقوله لأن المثلية إلخ المراد بها المثلية الخاصة .

                                                                                                                            أما لو اختلط مثلي بغير جنسه كما لو اختلط الشيرج بالزيت فينفسخ العقد فيما يظهر لتعذر المشاركة من غير تقدير انتقال ملك إذ المخلوط لو قسم لكان ما يخص كل واحد بعضه من الزيت وبعضه من الشيرج فيكون أخذ غير حقه بلا تعويض ، ثم ظاهر كلامهم أنه لا فرق في المثلي بين كونه معلوم القدر والصفة أو لا كما لو اشترى صبرة بر جزافا ( قوله : أو انقلاب ) عطف على قوله كوقوع إلخ ( قوله : ولم يعد خلا ) أي فمتى عاد خلا عاد حكمه وهو عدم الانفساخ ، وينبغي أن مثل عود العصير خلا ما لو عاد الصيد على خلاف العادة كأن وقع في شبكة صياد فأتى به وخروج الدرة من البحر ولا خيار للمشتري فيهما لأنهما لم تتغير صفتهما ، بخلاف انقلاب العصير خلا لاختلاف الأغراض بذلك ( قوله : نعم يثبت للمشتري الخيار ) أي فيما لو عاد خلا ، وظاهره وإن كان قيمته أكثر من قيمة العصير ، ويوجه باختلاف [ ص: 78 ] الأغراض والخيار فيما ذكر فوري لأنه خيار عيب ( قوله : وهذا ) أي عدم الانفساخ فيما لو انقلب خلا ( قوله : لا يمكن رفعهما ) أي عادة ( قوله : لكن رجحا هنا ) معتمد ( قوله : كونه ) أي وقوع الصخرة إلخ ( قوله : لعدم الرؤية ) قد يتوقف فيه بأن توقفها على ذلك لا يمنع من الرؤية لجواز رؤية الأرض قبل الغرق ووقوع الصخرة عليها ، على أن الرؤية كما هي معتبرة في الشفعة معتبرة في صحة قبض المبيع والانتفاع المقصود من الشفعة هو المقصود من المبيع ، فإن الحاصل للمشتري بعد تمام الشراء حل الانتفاع بالمعقود عليه ، ولا كذلك المقصود بالشفيع الانتفاع بما آل إليه من الحصة فليتأمل ( قوله وقد يمنع ) أن الفرق ( قوله : وهو عدم العلم ببقاء العين ) يؤخذ منه أنا لو علمنا بقاء العين فيهما كرؤية الدرة من وراء ماء صاف وقعت فيه ورؤية الصيد من وراء جبل مثلا عدم الانفساخ ، والظاهر أنه غير مراد ( قوله : في هذه ) أي وقوع الدرة وما بعده ( قوله فتكون زوائده ) أي الحادثة قبل الانفساخ ( قوله لم يختص الخيار بالبائع ) أي بأن كان للمشتري أولهما وتم العقد للمشتري ، لكن هذا إنما يأتي حيث كان التلف بعد القبض .

                                                                                                                            أما قبله فلا يتأتى تمامه للمشتري لانفساخه بمجرد التلف ، وقال حج : حيث لا خيار أو يخير وحده ، وهو يفيد عدم استحقاق المشتري الزوائد إذا كان الخيار لهما ، هذا وقد يقال : لا يلزم من انفساخه بالتلف في يد البائع عدم تمام العقد للمشتري إذا كان الخيار لهما لجواز أن التلف حصل بعد انقضاء مدة الخيار فيتبين أن الملك في الزوائد للمشتري ( قوله فتجهيزه عليه ) قال في شرح العباب : وعليه أيضا نقله عن الطريق إذا مات فيها كما في الجواهر ، ويستفاد منه كما قاله الفتى أن من ماتت له بهيمة في الطريق لزمه نقلها منها ، وأنها لو ماتت في داره لم يجز له طرحها في الطريق .

                                                                                                                            قال : ولم يذكر في الروضة تحريم وضع القمامة في الطريق ، وإنما ذكر الضمان به .

                                                                                                                            نعم ذكره الأذرعي عن البغوي وهو يؤيد مسألتنا وهي تؤيده ا هـ .

                                                                                                                            والكلام في غير المنعطفات ، فهي يجوز طرح القمامات فيها كما يدل عليه كلامهم في الجنايات .

                                                                                                                            وأما طرح الميت ولو [ ص: 79 ] نحو هر فينبغي حرمته حتى في تلك المنعطفات لأن فيه أبلغ إيذاء للمارين ا هـ ما في شرح العباب .

                                                                                                                            وينبغي أن يلحق بالميت فيما ذكر ما يعرض له نحو النتن من أجزائه ككرشه وإن كان مذكى للإيذاء المذكور ، وليتأمل بعد ذلك هذا الكلام مع كراهة التخلي في الطريق فقط على المعتمد ، إلا أن يقال : الكلام هنا في وجوب النقل عن الطريق ويلتزم ذلك في الخارج إذا تضرر به الناس ، أو يفرق بأن ضرر الميتة ونحوها أشد من ضرر الخارج فليحرر انتهى سم على حج .

                                                                                                                            خروج الخارج أيضا ضروري ، وربما يضر به عدم خروجه فجوزه له ، وقوله في غير المنعطفات : أي أما قارعة الطريق فيحرم رمي القمامات فيها وإن قلت فيما يظهر ( قوله : ولا يستثنى من طرده ) وهو أنه متى تلف المبيع قبل القبض انفسخ البيع إلخ ( قوله : لما مر أنه قبض ) أي فإذا تلف كان من ضمان المشتري ( قوله وتعجيز مكاتب ) أي كتابة صحيحة ( قوله : وموت مورثه ) أي المستغرق لتركته أما غيره فينبغي أن يحصل القبض في قدر حصته دون ما زاد عليها ( قوله : وهو كاف ) ومن استثناه استثناه من عدم القبض الحقيقي الذي هو المتبادر عند الإطلاق وألحقه بالقبض حكما ( قوله : ولا من عكسه ) وهو أنه إذا تلف بعد القبض لا ينفسخ البيع بل يكون من ضمان المشتري ( قوله : بأن كان له ) أي البائع حق الحبس ، مفهومه أنه لو لم يكن له حق الحبس وأودع المشتري المبيع حصل به القبض المضمن للمشتري ، وقد يؤخذ من قوله السابق الواقع عن البيع إن هذا لا يعد قبضا ( قوله : إذ تلفه بيده ) أي المشتري ( قوله : بعده ) أي قبض المشتري له وديعة ( قوله في زمن خيار البائع وحده ) مفهومه إذا تلف بعض القبض والخيار للمشتري أو لهما لم ينفسخ ، وبه صرح حج هنا حيث قال : وخرج بوحده ما لو تخير أو المشتري فلا فسخ بل يبقى الخيار ، ثم إن تم العقد غرم الثمن وإلا فالبدل ( قوله : وله ) أي المشتري ( قوله : قيمته يوم تلفه ) أي إن كان متقوما وإلا فمثله إن كان مثليا ( قوله : فلم يوجد فيه المعنى إلخ ) وهو تمكن المشتري من [ ص: 80 ] التصرف فيه ( قوله : لم يبرأ في الأظهر ) ظاهره وإن اعتقد البائع صحة البراءة وهو ظاهر لأن علة الضمان كونه في يده وهي باقية ( قوله : وإن وجد سببه ) وهو العقد ( قوله : وفائدة هذا ) أي قوله ولم يتغير إلخ ( قوله : نفي توهم إلخ ) في توهم ذلك بعد لما مر من أن المراد بالضمان انفساخ العقد بتلفه على التفصيل المذكور فيه فكيف بعد تصوير الضمان بالتلف بالانفساخ يتوهم عدمه .

                                                                                                                            نعم هو ظاهر بالنسبة لقوله ولا المنع من التصرف ومن ثم اقتصر : على جعل الفائدة فيه عدم صحة التصرف ( قوله : عدم فائدته ) أي قوله ولم يتغير إلخ



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : أو انقلاب عصير خمرا ) معطوف على وقوع درة . ( قوله : ولم يعد خلا ) عبارة الشهاب حج ما لم يعد خلا : أي فلا انفساخ ، لكن يتخير المشتري إذا عاد خلا [ ص: 78 ] قوله : أو ركوب رمل عليها ) يعني الأرض ، والظاهر أن مرجع الضمير سقط من الكتبة فإن العبارة إلخ السوادة للتحفة وصدرها أو غرقت الأرض بما لم يتوقع انحساره أو وقع عليها صخرة إلخ ، ويدل على السقط قوله : فيما يأتي وهو متعذر بحيلولة الماء . ( قوله : أي قدر انفساخه قبل التلف ) عبارة التحفة قبيل التلف بالتصغير . ( قوله : حيث لم يختص الخيار بالبائع ) عبارة التحفة حيث لا خيار أو يتخير : أي المشتري وحده انتهت ، وظاهر أنها الصواب . ( قوله : وينتقل الملك في المبيع للبائع ) أي فيما إذا لم يكن خيار أو كان للمشتري وحده الذي تقدم عن التحفة ، وإلا فهو [ ص: 79 ] لم يخرج عن ملكه ولا بالتبين كما لا يخفى . ( قوله : وتعجيز مكاتب إلخ ) كأن وجه إيراد هذه وما بعدها أن المبيع خرج عن كونه مبيعا لدخوله في ملك المشتري بوجه آخر هو التعجيز أو الإرث فكأنه تلف ، لكن في الجواب حينئذ نظر ; لأنه لم يقبضه عن جهة البيع ، وما المانع من تسليم انفساخ البيع في هاتين المسألتين ، ولعل المانع أنه يلزم عليه أن بقية الورثة يشاركون المشتري ، وأن البائع للمكاتب يرجع في عين مبيعه لإفلاس المكاتب ، ثم رأيته فيما يأتي في شرح قول المصنف ولا يصح بيع المبيع قبل قبضه صرح بأنه يدخل في ملك السيد أو الوارث بالتعجيز أو الإرث لا بالشراء ، فعليه لا يصح إيراد هاتين هنا ومن ثم قال الشهاب حج بعد إيرادهما : والجواب عنهما بما مر في كلام الشارح على أنه يأتي في الأخيرتين ما يبطل ورودهما من أصلهما ا هـ .

                                                                                                                            وحينئذ لو كان هناك وارث آخر يشارك في الأخيرة ثم رأيت الشهاب سم صور المسألة بما إذا تلف المبيع بعد تعجيز المكاتب وموت المورث ; لأنه قضية استثناء ذلك من الطرد ، وهو أنه لو تلف المبيع قبل القبض انفسخ البيع وسقط الثمن ، ثم نقل عن شرح الإرشاد [ ص: 80 ] ما هو صريح فيما قدمته من التصوير والتوجيه ، ثم قال عقبة : ولا يخفى أن هذا صنيع وسياق آخر ونازع فيه بما قدمته فليراجع




                                                                                                                            الخدمات العلمية