الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( ويجوز أن يصالح على إجراء الماء وإلقاء الثلج في ملكه على مال ) كحق البناء ، ومحل الجواز في الثلج إذا كان في أرض الغير لا في سطح لما فيه من الضرر ، بخلاف الماء حيث يجوز فيهما هذا في الماء المجلوب من نهر ونحوه إلى أرضه أو الحاصل إلى سطحه من المطر ، أما ماء غسالة الثياب والأواني فلا يجوز الصلح على إجرائها على مال ; لأنه مجهول لا تدعو الحاجة إليه ، كذا قالاه تبعا للمتولي ، واعترضه البلقيني بأنه لا مانع منه إذا بين قدر الجاري إذا كان على السطح وبين موضع الجريان إذا كان على الأرض ، والحاجة إلى ذلك أكثر من الحاجة إلى البناء فليس كل الناس يبني ، وغسل الثياب والأواني لا بد منه لكل الناس أو الغالب [ ص: 414 ] وهو بلا شك يزيد على حاجة البناء ، فمن بنى حماما وبجانبه أرض لغيره فأراد أن يشتري منه حق ممر الماء فلا توقف في جواز ذلك بل الحاجة إليه أكثر من حاجة البناء على الأرض ، فلعل مراد المتولي من ذلك حيث كان على السطح ، ولم يحصل البيان في قدر ما يصب وشرط المصالحة على إجراء ماء المطر على سطح غيره أن لا يكون له مصرف إلى الطريق إلا بمروره على سطح جاره ، قاله الإسنوي : ويجوز ذلك في الأرض المستأجرة ونحوها كما قاله سليم في التقريب وغيره ، قال : لكن يعتبر هنا أمران : التأقيت ; لأن الأرض غير مملوكة فلا يمكنه العقد عليها مطلقا ، وأن يكون هناك ساقية ; لأنه ليس له إحداث ساقية فيها ابتداء ، وقد علم مما تقرر أن للموقوف عليه إذا كان ناظرا مصالحة غيره على إجراء ماء في ساقية محفورة بالأرض المحفورة لا ليحفر فيها ساقية ، وعلى إجرائه على سطح الدار الموقوفة إن قدر بمدة معلومة لا مطلقا لحق البطن الثاني ، نعم إن صالح بلا مال جاز ، وكان عارية قال العبادي : ولو أذن صاحب الدار لإنسان في حفر بئر تحت داره ثم باعها كان للمشتري أن يرجع كالبائع ، قال الأذرعي : وهذا صحيح مطرد في كل حقوق الدار كالبناء عليها بإعارة أو إجارة انقضت ثبت للمشتري ما ثبت للبائع ا هـ .

                                                                                                                            ولو بنى على سطحه بعد العقد ما يمنع نفوذ ماء المطر نقبه المشتري ، والمستأجر لا المستعير ، ولا يجب على مستحق إجراء الماء في ملك غيره مشاركته في العمارة له إذا انهدم ولو بسبب الماء ، وأما الأرض فلا حاجة في العارية لها إلى بيان ; لأنها يرجع فيها متى شاء وهي تحمل ما تحمل ، وإن استأجرها لإجراء الماء فيها وجب بيان موضع المجراة وطولها وعرضها وعمقها وقدر المدة ، وظاهر كلامهم إبقاء ذلك على عمومه سواء أكانت الإجارة مقدرة بمدة أم لا ، [ ص: 415 ] ويفرق بينه وبين نظيره في بيع حق البناء بأنها إنما حملت على التأبيد في مسألة البناء عند عدم ذكر المدة لشدة الحاجة إلى دوامه وللتضرر بهدمه ، وليس للمستحق دخول الأرض من غير إذن مالكها إلا لتنقية نهر ، وعليه أن يخرج من أرضه ما يخرجه من النهر ، وليس لمن أذن له في إجراء ماء المطر على السطح طرح الثلج عليه ولا تركه إلى أن يذوب ويسيل إليه ، ومن أذن له في إلقاء الثلج لا يجري المطر ولا غيره ، ولو كان يجري ماء في ملك غيره فادعى المالك أنه كان عارية قبل قوله كما أفتى به البغوي ، ولو صالحه على قضاء حاجة بول أو غائط أو طرح قمامة ولو زبلا في ملك غيره على مال فهو عقد فيه شائبة بيع وإجارة ، وكذا عن المبيت على سقف ولمشتري الدار ما لبائعها من إجراء الماء لا المبيت .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : على إجراء الماء ) ومنه الصلح على إخراج ميزاب إلى ملك غيره ( قوله : يجوز فيهما ) أي الأرض والسطح ( قوله : إلى أرضه ) قال حج : وخرج ماء نحو النهر من سطح إلى سطح فلا يجوز للجهل بذلك مع عدم مس الحاجة إليه ا هـ .

                                                                                                                            وقضيته جواز إجراء ماء النهر من سطح إلى أرض ويشمله قول الشارح إلى أرضه

                                                                                                                            ( قوله : على إجرائها ) أي لا في سطح ولا أرض أخذا من العلة

                                                                                                                            ( قوله : على مال ) أفهم أن الصلح عليها بغير مال لا يمتنع ، ويكون إعارة للأرض التي يصل إليها الماء وسيأتي في كلامه

                                                                                                                            ( قوله : لأنه مجهول ) أي ولأنه يفعل عن اختيار بخلاف ماء المطر .

                                                                                                                            [ فرع ] قال صالحتك على إجراء المطر على سطح دارك كل سنة بكذا ، قال المتولي يصح ويغتفر الغرر في الأجرة كما اغتفر في المعقود عليه ويصير كالخراج المضروب ، قاله برسم على منهج ، وقضيته أنه لو لم يحصل مطر في بعض السنين لم يستحق له أجرة [ فرع ] ماء المطر النازل في المسجد هل يكون ملكا له أم لا ؟ فيه نظر وينبغي أن يقال : إن كان فيه مكان عد لجمعه فيه على وجه ينتفع به من يأتي المسجد كان ملكا له وإلا فلا ، ونقل بالدرس عن فتاوى حج ما يوافقه [ ص: 414 ] فراجعه ، وينبغي أن مثل هذا ما وقع السؤال عنه وهو أنه يقع كثيرا أن تبنى الصهاريج بجانب الخليج الحاكمي ، ويجعل لها طاقات بقصد أن تملأ منه إذا جاء الماء ويفعل كذلك ، فبدخول الماء فيها يصير ملكا لمن قصد ذلك ولا يكون باقيا على إباحته بل يتصرف فيه بما أعده الواقف له

                                                                                                                            ( قوله : في الأرض المستأجرة ) أي أو السطح أخذا مما يأتي في قوله وعلى إجرائه على سطح الدار الموقوفة

                                                                                                                            ( قوله : المحفورة ) صوابه الموقوفة

                                                                                                                            ( قوله : نعم إن صالح ) محترز قوله أولا : أما ماء غسالة الثياب والأواني فلا يجوز إلخ ، وكان الأولى أن يقول أما إن صالح بلا مال إلخ ( قوله ثم باعها ) أي الدار

                                                                                                                            ( قوله : كالبائع ) أي حيث أذن له مجانا ، فلو كان أذن له ببيع أو أجرة فليس ذلك ، وإذا رجع تخير بين طمه وأرش نقصه ، وهو التفاوت بين كونه مبنيا منتفعا به وبين كونه مطموما خاليا من البناء وبين إبقائه بأجرة مثله وبين تملك ما بناه بالقيمة

                                                                                                                            ( قوله : ثبت ) أي فيقال ثبت إلخ

                                                                                                                            ( قوله : بعد العقد ) أي للبيع أو الأجرة أو العارية

                                                                                                                            ( قوله : وأما الأرض ) انظر ما الذي خرج به هذا في كلامه ، والظاهر أنه كلام مستأنف ويقابله قوله الآتي وإن استأجرها لإجراء الماء فيها إلخ ، وكان الأولى أن يقول : وإن أعار الأرض فلا حاجة فيه إلخ

                                                                                                                            ( قوله : وظاهر كلامهم ) يتأمل هذا مع قوله قبل وقدر المدة ، إلا أن يقال مراده في العمق والعرض والطول بقطع النظر [ ص: 415 ] عن تقدير المدة

                                                                                                                            ( قوله : قبل قوله ) أي حيث علم ابتداء حدوثه في ملكه وإلا صدق خصمه أنه يستحق ذلك ، وكلام البغوي الموهم لخلاف ذلك من إطلاق تصديق المالك حمله الأذرعي على ما إذا علم حدوثه في زمن ملك هذا المالك ا هـ حج .

                                                                                                                            وظاهر إطلاق الشارح تصديق المالك مطلقا والظاهر أنه غير مراد لما مر فيما لو وجدت الجذوع أو نحوها في أرض ولم يعلم سبب وضعها

                                                                                                                            ( قوله : أو طرح قمامة ) ولعل الفرق بين هذا وبين عدم صحة الصلح على ماء الغسالة أن الاحتياج إلى إلقاء القمامات أشد منه إلى إخراج ماء الغسالة

                                                                                                                            ( قوله : لا المبيت ) ولعل وجه ذلك شدة اختلاف أحوال الناس ، فقد لا يرضى صاحب السطح بنوم غير البائع على ملكه لعدم صلاح المشتري منه بحسب ما يعتقده صاحب الملك .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : لأنه مجهول لا تدعو الحاجة إليه ) أي : وماء المطر وإن كان مجهولا إلا أنه تدعو الحاجة إليه فهو عقد جوز للحاجة كما قالوه . ( قوله : واعترضه البلقيني ) هذا في الحقيقة تقييد لكلام الشيخين لا اعتراض إذ كلامهما مفروض في أنه مجهول الذي هو الغالب [ ص: 414 ] كما يصرح به تعليلهما المار فهما جاريان على الغالب ( قوله : فلعل مراد المتولي ) بل الظاهر أنه مراده كما قدمته . ( قوله : لكن يعتبر هنا أمران التأقيت ) سيأتي أن التأقيت شرط حتى في الأرض المملوكة . ( قوله : لأنه ليس له إحداث ساقية فيها ابتداء ) كأنه احترز به عما إذا أذن المالك في ذلك : أي أو كان ما استأجر له الأرض يتوقف على الحفر فليراجع . ( قوله : جاز ) أي : بلا تقدير مدة . ( قوله : وأما الأرض إلخ ) هو تابع في هذه العبارة لمتن الروض ، وهو لا يناسب فرضه الكلام أولا في الأرض والسطح معا وأما الروض فإنه ذكر حكم الإجراء على السطح وحده ، ثم أراد أن يبين الحكم في الأرض فقال : وأما الأرض إلخ فلتراجع عبارته ( قوله : سواء أكانت الإجارة مقدرة بمدة أم لا ) [ ص: 415 ] الصواب حذفه وهو تابع للروض وشرحه في هذا التقرير لكنه تصرف فيه بهذه الزيادة المضرة ، والحاصل أن الروض ذكر أنه إذا أجر الأرض لإجراء الماء لا بد من بيان موضع الساقية وحد طولها وعرضها وعمقها وقدر المدة . قال شارحه عقبه : إن كانت الإجارة مقدرة بها وإلا فلا يشترط بيان قدرها كنظيره فيما مر في بيع حق البناء ا هـ .

                                                                                                                            ومراده بذلك إصلاح المتن وأن محل قوله وقدر المدة إذا أراد التقدير بها وإلا فالتقدير بها ليس بشرط ، ثم قال : فإن بقي الكلام على عمومه : أي من اشتراط بيان قدر المدة مطلقا أشكل بذلك : أي ببيع حق البناء ا هـ .

                                                                                                                            والشارح هنا فرق بما يأتي إلا أنه تصرف في عبارة الروض وشرحه بما لا يصح ، على أن ما ذكره هنا مخالف لإطلاق ما ذكره أول السوادة فتأمل . ( قوله : في بيع حق البناء ) الصواب حذف لفظ بيع .




                                                                                                                            الخدمات العلمية