الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( لا ) يحد ( بلست بابن فلان جده ) لصدقه [ ص: 49 ] ( وبنسبته إليه أو إلى خاله أو إلى عمه أو رابه ) بتشديد الباء : مربيه ولو غير زوج أمه زيلعي لأنهم آباء مجازا ( ولا بقوله يا ابن ماء السماء ) وفيه نظر ابن كمال ( ولا ) بقوله ( يا نبطي ) لعربي في النهر متى نسبه لغير قبيلته أو نفاه عنها عزر ، وفيه يا فرخ الزنا يا بيض الزنا يا حمل الزنا يا سخلة الزنا قذف ، بخلاف يا كبش الزنا أو يا حرام زاده [ ص: 50 ] قنية ; وفيها : لو جحد أبوه نسبه فلا حد

التالي السابق


( قوله لصدقه ) ; لأن معناه الحقيقي نفي كونه مخلوقا من مائه . واعترضهم في الفتح بأن في نفيه عن أبيه احتمال هذا مع احتمال المجاز وهو نفي المشابهة . وقد حكموا حالة الغضب فجعلوها قرينة على إرادة المعنى الثاني المجازي . ونفيه عن جده له معنى مجازي أيضا وهو نفي المشابهة ، ومعنى آخر وهو نفي كونه أبا أعلى له بأن لا يكون أبوه مخلوقا من مائه بل زنت به جدته ، وحالة الغضب تعين هذا الأخير ، إذ لا معنى لإخباره في حالة الغضب بأنك لم تخلق من ماء جدك ، ولا مخلص إلا أن يوجد إجماع فيه على نفي التفصيل كالإجماع على ثبوته هناك ا هـ ملخصا .

قلت : وقد يجاب بالفرق ، وهو أن نفيه عن أبيه قذف صريح ; لأنه المعنى الحقيقي ، وحالة الغضب تنفي احتمال المجاز وهو المعاتبة بنفي المشابهة في الأخلاق ، فقد ساعدت القرينة الحقيقة ، بخلاف نفيه عن جده فإن معناه الحقيقي ليس قذفا بل هو صدق ، لكن القرينة وهي حالة الغضب تدل على إرادة القذف ، فيلزم منه العدول عن الحقيقة إلى المجاز لإثبات الحد ، وهو خلاف القاعدة الشرعية من أنه يحتاط في درئه لا في إثباته على أنه لا مانع [ ص: 49 ] من أن يأتي في حالة الغضب بكلام موهم للشتم والسب بظاهره و يريد به معناه الحقيقي احتيالا لدرء الحد عنه ، ولصيانة ديانته من إرادة المنكر والزور الذي هو من السبع الموبقات بل حال المسلم يقتضي ذلك ، بخلاف نفيه عن أبيه فإنه قذف صريح بحقيقته مع زيادة القرينة كما قلنا ، ففي العدول عنه تفويت حق المقذوف بلا موجب ، هذا ما ظهر لي فتدبره ( قوله وبنسبته إليه ) أي إلى جده بأن قال له أنت ابن فلان لجده ( قوله ; لأنهم آباء مجازا ) أما الجد فلأنه الأب الأعلى ، وأما الخال فلما أخرجه الديلمي في الفردوس عن ابن عمر مرفوعا { الخال والد من لا والد له } " وأما العم ، فلقوله تعالى - { وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق } - فإن إسماعيل كان عما ليعقوب عليهم السلام وأما الراب فللتربية ، وقيل في قول نوح - { إن ابني من أهلي } - إنه كان ابن امرأته أفاده في الفتح ( قوله ولا بقوله يا ابن ماء السماء ) ; لأنه يراد به التشبيه في الجود والسماحة ; لأن ماء السماء لقب به عامر بن حارثة الأزدي ; ; لأنه في وقت القحط كان يقيم ماله مقام القطر فهو كالسماء عطاء وجودا ، وتمامه في الفتح ( قوله وفيه نظر ) ; لأن حالة الغضب تأبى عن قصد التشبيه كما قاله ابن كمال .

قلت : وقد أورد هذا في الفتح سؤالا . وأجاب عنه بأنه لما لم يعهد استعماله لنفي النسب يمكن أن يجعل المراد به في حالة الغضب التهكم به عليه كما قلنا في قوله لست بعربي لما لم يستعمل للنفي يحمل في حالة الغضب على سبه بنفي الشجاعة والسخاء ليس غير . ا هـ . قلت : واستعمال مثل ذلك في التهكم سائغ لغة وشائع عرفا ، كما يقال في حال الخصام يا ابن النبي يا ابن الكرام يا كامل يا مؤدب ونحو ذلك مما لا يقصد حقيقته فافهم .

[ تنبيه ] قال في الفتح : وقد ذكر أنه لو كان هناك رجل اسمه ماء السماء وهو معروف يحد في حال السباب . بخلاف ما إذا لم يكن ا هـ وأقره في البحر والنهر . قلت : لكن ينبغي تقييده بما إذا لم يكن ذلك الرجل مشهورا بالكرم ونحوه وإلا فهو أصل المسألة إذ لا فرق بين كونه حيا أو ميتا ، ولا خصوصية أيضا لهذا الاسم بل مثله كل اسم مشهور بصفة جميلة أو قبيحة ، فابن ماء السماء والنبطي مثالان ، هذا ما ظهر لي ( قوله يا نبطي ) النبط : جيل من الناس كانوا ينزلون سواد العراق ثم استعمل في أخلاط الناس وعوامهم والجمع أنباط مثل سبب وأسباب الواحد نباطي بفتح النون وضمها وبزيادة الألف مصباح .

[ تنبيه ] في البحر أن ظاهر كلامهم أنه لا يحد في هذه المسائل سواء كان في حالة الغضب أو الرضا ( قوله في النهر إلخ ) عبارته : ينبغي أن يعزر به : أي بقوله يا نبطي ; لأن النسبة إلى الأخلاق الدنيئة تجعل شتما في الغضب ويؤيده ما في المبسوط : لو قال لهاشمي لست بهاشمي عزر ، وعلى هذا لو نسبه لغير قبيلته أو نفاه عنها ( قوله وفيه ) أي في النهر عن التتارخانية عن أبي يوسف ( قوله يا حمل الزنا ) الظاهر أنه محرك الميم بقرينة ما قبله وما بعده : وهو ولد الضأن في السنة الأولى والسخلة تطلق على الذكر والأنثى من أولاد الضأن ساعة تولد والجمع سخال وتجمع أيضا على سخل مثل تمرة وتمر مصباح ( قوله قذف ) ; لأن هذه الألفاظ تنبئ عن الولادة فكانت بمعنى يا ولد الزنا ( قوله بخلاف يا كبش الزنا ) ; لأنه لا ينبئ عن ذلك أو ; لأنه يطلق على سيد القوم وقائدهم كما في القاموس ( قوله يا حرام زاده ) ; لأن معناه المتولد من الوطء الحرام فيعم حالة الحيض كما سيذكره [ ص: 50 ] الشارح مع دفع ما يرد عليه في باب التعزير ( قوله وفيها ) أي في القنية ( قوله فلا حد ) أي على قاذف الولد بقوله يا ولد الزنا




الخدمات العلمية