الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( صح الشراء والبيع لما لم يرياه ، والإشارة إليه ) أي المبيع ( أو إلى مكانه شرط الجواز ) فلو لم يشر إلى ذلك لم يجز إجماعا فتح وبحر . [ ص: 594 ] وفي حاشية أخي زاده الأصح الجواز ( وله ) أي للمشتري ( أن يرده إذا رآه ) إلا إذا حمله البائع لبيت المشتري ، فلا يرده إذا رآه إلا إذا أعاده إلى البائع أشباه ( وإن رضي ) بالقول ( قبله ) أي قبل أن يراه ; لأن خياره معلق بالرؤية بالنص ، ولا وجود للمعلق قبل الشرط . [ ص: 595 ] ولو فسخه قبلها ) قبل الرؤية ( صح ) فسخه ( في الأصح ) بحر ; لعدم لزوم البيع بسبب جهالة المبيع فلم يقع مبرما .

التالي السابق


( قوله : لما لم يرياه ) أي العاقدان . قال : في البحر : أراد بما لم يره ما لم يره وقت العقد ولا قبله ، والمراد بالرؤية العلم بالمقصود من باب عموم المجاز فصارت الرؤية من أفراد المعنى المجازي ، فيشمل ما إذا كان المبيع مما يعرف بالشم كالمسك ، وما اشتراه بعد رؤيته فوجده متغيرا ، وما اشتراه الأعمى . وفي القنية : اشترى ما يذاق فذاقه ليلا ولم يره سقط خياره . ا هـ . ( قوله : أي المبيع ) أي الذي لم يرياه بأن كان مستورا . ( قوله : فلو لم يشر إلى ذلك إلخ ) عبارة الفتح هكذا : وفي المبسوط الإشارة إليه أو إلى مكانه شرط الجواز ، فلو لم يشر إليه ولا إلى مكانه لا يجوز بالإجماع هـ . لكن إطلاق الكتاب يقتضي جواز البيع ، سواء سمى جنس المبيع أو لا ، وسواء أشار إلى مكانه أو إليه وهو حاضر مستور أو لا ، مثل أن يقول بعت منك ما في كمي ، بل عامة المشايخ قالوا : إطلاق الجواب يدل على الجواز عنده ، وطائفة قالوا لا يجوز لجهالة المبيع من كل وجه . والظاهر أن المراد بالإطلاق ما ذكره شمس الأئمة وغيره كصاحب الإسراء والذخيرة لبعد القول بجواز ما لم يعلم جنسه أصلا ، كأن يقول بعتك شيئا بعشرة . ا هـ .

كلام الفتح وحاصله التوفيق بين ما قاله عامة المشايخ وما قاله بعضهم بحمل إطلاق الجواب على ما قاله شمس الأئمة وغيره من لزوم الإشارة إليه أو إلى مكانه إذ لا يصح بيع ما لم يعلم جنسه أصلا : أي لا بوصف ولا بإشارة ، ولذا قال : صاحب النهاية يعني شيئا مسمى موصوفا أو مشارا إليه أو إلى مكانه وليس فيه غيره بذلك الاسم . ا هـ . فأفاد أن لزوم الإشارة عند عدم تسمية الجنس والوصف ، فالتسمية كافية عن الإشارة ; حتى لو قال : بعتك كر حنطة بلدية بكذا والكر في ملكه من نوع واحد في موضع واحد جاز البيع وكذا الإضافة في مثل بعتك عبدي وليس له غيره وذكر الحدود في مثل بعتك الأرض الفلانية والمدار على نفي الجهالة الفاحشة ليصح البيع كما حققنا ذلك بما لا مزيد عليه أول البيوع عند قوله : وشرط لصحته معرفة قدر مبيع وثمن ، فتذكره بالمراجعة فإنه ينفعك هنا ، وبهذا التقرير سقط ما في الحواشي السعدية من قوله : أقول : في كون الإشارة إلى المبيع أو إلى مكانه شرط الجواز ، سيما بالإجماع . [ ص: 594 ] كلام فليتأمل . ا هـ . لما علمت من أن الإشارة ليست شرطا دائما بل عند عدم معرف آخر يرفع الجهالة فافهم . ( قوله : وفي حاشية أخي زاده ) أي حاشيته على صدر الشريعة . قال في المنح وفي حاشية أخي زاده ذكر هذا البحث ، ثم قال : وقال عامة مشايخنا : إطلاق الجواب يدل على جوازه وهو الأصح .

وقال بعضهم : لا يجوز وصحح ، يؤيده ما في جامع الفصولين من الفصل الثالث يشترط كون المبيع حاضرا موجودا مهيأ مقدور التسليم ، وما في المبسوط من أن الإشارة إليه أو إلى مكانه شرط الجواز ، حتى لو لم يشر إليه أو إلى مكانه لا يجوز بالإجماع . ا هـ . وفي العناية قال القدوري : من اشترى شيئا لم يره فالبيع جائز ، معناه أن يقول بعتك الثوب الذي في كمي هذا أو هذه الجارية المتنقبة ، وكذلك العين الغائب المشار إلى مكانه ، وليس في ذلك المكان بذلك الاسم غير ما سمى ، والمكان معلوم باسمه والعين معلومة . قال : صاحب الإسرار : لأن كلامنا في عين هي بحالة لو كانت الرؤية حاصلة لكان البيع جائزا . ا هـ . ما في المنح ملخصا ، ولا يخفى أن حاصله تقييد إطلاق الجواب بما قاله في المبسوط وغيره كما مر عن فتح القدير ، وهو محمل إطلاق المتون كعبارة القدوري المذكورة .

( قوله : أي للمشتري ) كان ينبغي للمصنف التصريح به ; لأنه لم يتقدم له ذكر مع إيهام عود الضمير للبائع وإن كان يرتفع بقوله الآتي ولا خيار لبائع . ( قوله : إذا رآه ) أي علم به كما قدمناه . ( قوله : إلا إذا حمله البائع إلخ ) في البحر عن جامع الفصولين : شراه وحمله البائع إلى بيت المشتري فرآه ليس له الرد ; لأنه لو رده يحتاج إلى الحمل فيصير هذا كعيب حدث عند المشتري ، ومؤنة رد المبيع بعيب أو بخيار شرط أو رؤية على المشتري ، ولو شرى متاعا وحمله إلى موضع فله رده بعيب ورؤية لو رده إلى موضع العقد وإلا فلا . ا هـ . وظاهر أنه إنما يرده لو رده إلى موضع العقد فيما لو حمله المشتري بخلاف البائع ، وهو خلاف ما نقله الشارح عن الأشباه . والذي يظهر " عدم الفرق وأن ما ذكره من قوله لأنه لو رده إلخ غير ظاهر ، لأنه لا يناسبه قوله : بعده ومؤنة الرد على المشتري فافهم .

ثم رأيت صاحب نور العين اعترض التعليل المذكور بما ذكرته ، ثم إنه يستفاد من كلام الفصولين أن ما أنفقه البائع على تحميله إلى منزل المشتري لا يلزم المشتري إذا رد عليه المبيع إلى محل العقد ; لأن البائع متبرع بما أنفقه لأن الواجب عليه التسليم في محل العقد دون التحميل ، وبه يظهر جواب حادثة الفتوى اشترى حديدا لم يره وشرط على البائع تحميله إلى بلدة المشتري ثم رآه فلم يرض به وأراد فسخ البيع لخيار الرؤية أو بفساد العقد بسبب الشرط المذكور . والجواب أنه يلزمه تحميله إلى بلدة البائع ليرده عليه وإن كان الرد بسبب الفساد ، لما صرح به في جامع الفصولين أيضا من أن مؤنة رد المبيع فاسدا بعد الفسخ على القابض . ( قوله : وإن رضي بالقول قبله ) قيد بالقول ; لأنه لو أجازه بالفعل بأن تصرف فيه يزول خياره كما في الشرنبلالية عن شرح المجمع . ( قوله : أي قبل أن يراه ) أشار إلى أن الضمير المذكور في " قبله " عائد إلى المعنى المصدري لا إلى لفظ الرؤية المفهوم من قوله إذا رآه ; لأنه مؤنث . تأمل . وأجاب في البحر بأنه ذكر الضمير للمعنى ، أي لأن المراد من الرؤية العلم كما مر .

( قوله : لأن خياره معلق بالرؤية بالنص ) أي بحديث " { من اشترى شيئا لم يره فهو بالخيار إذا رآه ، إن شاء أخذه ، وإن شاء تركه } " ، قال : في الدرر : وفيه أن هذا استدلال بمفهوم الشرط ونحن لا نقول به . ا هـ . قلت : وجوابه أن الأصل في العقد اللزوم فلا يثبت الخيار إلا بدليله ، والنص إنما أثبته عند الرؤية فيبقى [ ص: 595 ] ما وراءها على الأصل ، فالحكم ثابت بدليل الأصل لا بمفهوم هذا الشرط . وهذا معنى قول الشارح ولا وجود للمعلق قبل الشرط . وقال في الفتح : والمعلق بالشرط عدم قبل وجوده والإسقاط لا يتحقق قبل الثبوت ا هـ . أي إذا كان الخيار معلقا بالرؤية كان عدما قبلها فلا يصح إسقاطه بالرضا فافهم . ( قوله : لعدم لزوم البيع ) بيان للفرق بين الفسخ والإجازة فإنها غير لازمة قبل الرؤية وهو لازم مع استوائهما في التعليق بالشرط في الحديث المار وذلك أن الفسخ له سبب آخر وعدم لزوم هذا العقد ، وما لا يلزم فللمشتري فسخه ولم يثبت للإجازة سبب آخر فبقيت على العدم . وحاصله أنه غير لازم قبل الرؤية لجهالة المبيع ، وإذا رآه حدث له سبب آخر لعدم لزومه وهو الرؤية ولا مانع من اجتماع الأسباب على مسبب واحد أفاده في البحر .




الخدمات العلمية