الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        فيما يقع في مال القراض من زيادة أو نقص

                                                                                                                                                                        أما الزيادة ، فثمرة الشجرة المشتراة للقراض ، ونتاج الدابة ، وكسب الرقيق ، وولد الجارية ، ومهرها إذا وطئت بشبهة ، وبدل منافع الدواب والأرض ، وسواء وجب باستعمالها عدوانا أو بإجارة صدرت من العامل ، فإن له الإجارة . فإذا رأى فيها المصلحة ، أطلق الإمام والغزالي : أن هذه كلها مال قراض ، لأنها من فوائده ، وقال المتولي : إن كان في المال ربح ، وملكنا العامل حصته بالظهور ، فالجواب كذلك . فإن لم يكن ربح ، أو لم نملكه ، فمن الأصحاب من قال : مال قراض . وقال جمهورهم : يفوز بها المالك ، لأنها ليست من فوائد التجارة . ويشبه أن يكون هذا أولى . فإن جعلناها مال قراض ، فالأصح أنها من الربح .

                                                                                                                                                                        وقيل : هي شائبة في الربح ورأس المال . ولو وطئها المالك ، قال الغزالي وغيره : يكون مستردا مقدار المهر ، فيستقر نصيب العامل منه . وقال البغوي : إن كان في المال ربح وملكناه بالظهور ، وجب نصيب العامل من الربح ، وإلا فلا شيء له . واستيلاد المالك جارية القراض ، كإعتاقها . وإذا أوجبنا المهر بوطئه الخالي عن الأحبال ، فالأصح الجمع بينه وبين القيمة . وأما النقص ، فما حصل برخص ، فهو خسران مجبور [ ص: 139 ] بالربح . وكذا النقص بالتعيب والمرض الحادثين .

                                                                                                                                                                        وأما النقص العيني ، وهو تلف البعض ، فإن حصل بعد التصرف في المال بيعا وشراء ، فقطع الجمهور بأن الاحتراق وغيره من الآفات السماوية خسران يجبر بالربح . وفي التلف بالسرقة والغصب وجهان . والفرق أن في الضمان الواجب ما يجبره ، فلا حاجة إلى الجبر بمال القراض ، وطرد جماعة الوجهين في الآفة السماوية ، والأصح في الجميع الجبر . أما إذا نقص قبل التصرف بيعا وشراء ، بأن دفع إليه ألفين قراضا ، فتلف أحدهما قبل التصرف ، فوجهان .

                                                                                                                                                                        أحدهما : أنه خسران ، فيجبر بالربح الحاصل بعد ، ويكون رأس المال ألفين . وأصحهما : يتلف من رأس المال ، ويكون رأس المال ألفا . ولو اشترى بالألفين عبدين ، فتلف أحدهما ، تلف من الربح على المذهب . وقيل : من رأس المال ، لأنه لم يتصرف بعد بالبيع . هذا إذا تلف بعض المال . أما إذا تلف كله بآفة سماوية قبل التصرف أو بعده ، فيرتفع القراض ، وكذا لو أتلفه المالك كما سبق . فلو أتلف أجنبي جميعه أو بعضه ، أخذ منه بدله واستمر فيه القراض . وما ذكرناه من الخلاف في الجبر من الربح في صورة السرقة والغصب ، هو فيما إذا تعذر أخذ البدل من المتلف . ولو أتلف العامل المال ، قال الإمام : يرتفع القراض ، لأنه وإن وجب عليه بدله ، فلا يدخل في ملك المالك إلا بقبضه منه ، وحينئذ يحتاج إلى استئناف القراض .

                                                                                                                                                                        ولك أن تقول : ذكروا وجهين في أن مال القراض إذا غصب أو أتلف ، فمن الخصم فيه ؟ أصحهما : أنه المالك فقط إن لم يكن في المال ربح ، وهما جميعا إن كان ربح . والثاني : أن للعامل المخاصمة مطلقا حفظا للمال ، فيشبه أن يكون الجواب المذكور في إتلاف الأجنبي مفرعا على أن العامل خصم ، ويتقدر أن يقال : ليس بخصم ، بل إذا خاصم المالك وأخذه ، عاد العامل إلى التصرف فيه بحكم القراض ، [ و ] لزم مثله فيما إذا كان العامل هو المتلف .

                                                                                                                                                                        [ ص: 140 ] فرع

                                                                                                                                                                        لو قتل رجل عبد القراض ، وفي المال ربح ، لم ينفرد أحدهما بالقصاص ، بل الحق لهما ، فإن تراضيا على العفو على مال ، أو على القصاص جاز . وإن عفا أحدهما ، سقط القصاص ووجبت القيمة ، هكذا ذكروه وهو ظاهر على قولنا : يملك العامل الربح بالظهور ، وغير ظاهر على القول الآخر . وإن لم يكن في المال ربح ، فللمالك القصاص والعفو على غير مال . وكذا لو كانت الجناية موجبة [ للمال ] ، فله العفو عنه ويرتفع القراض . فإن أخذ المال ، أو صالح عن القصاص على مال بقي القراض فيه .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        مال القراض ألف ، اشترى بعينه ثوبا . فتلف الألف قبل التسليم ، بطل الشراء وارتفع القراض . وإن اشترى في الذمة ، قال في البويطي : يرتفع القراض ويكون الشراء للعامل ، فقال بعض الأصحاب : هذا إذا كان التلف قبل الشراء ، فإن القراض ، والحالة هذه ، غير باق عند الشراء ، فينصرف الشراء إلى العامل . أما لو تلف بعد الشراء ، فالمشترى للمالك . فإذا تلف الألف المعد للثمن ، لزمه ألف آخر . وقال ابن سريج : يقع الشراء عن العامل ، سواء تلف الألف قبل الشراء أو بعده ، وعليه الثمن ويرتفع القراض ، لأن إذنه ينصرف إلى التصرف في ذلك الألف ، فإن قلنا بالأول ، فرأس المال ألف ، أم ألفان ؟ وجهان . فإن قلنا : ألف ، فهو الألف الأول ، أم الثاني ؟ وجهان ، فائدتهما عند اختلاف الألفين في صفة الصحة وغيرها . [ ص: 141 ]

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية