الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        فيما يرجع به المشتري على الغاصب إذا غرمه المالك

                                                                                                                                                                        وفيه فروع :

                                                                                                                                                                        الأول : إذا تلفت العين المغصوبة عند المشتري ، ضمن قيمتها أكثر ما كانت من يوم قبضها إلى التلف ، ولا يضمن زيادة كانت في يد الغاصب ، ولا يرجع بما ضمنه عالما كان أو جاهلا . وعن صاحب " التقريب " : أنه يرجع من المغروم بما زاد على قدر الثمن ، سواء اشتراه رخيصا أم زادت قيمته ، وهو شاذ .

                                                                                                                                                                        الثاني : إذا تعيب المغصوب عند المشتري بعمى أو شلل أو نحوهما ، فإن كان بفعل المشتري ، استقر ضمانه عليه ، وكذا لو أتلف الجميع . وإن كان بآفة سماوية ، فقولان . أظهرهما : لا يرجع على الغاصب ، وبه قطع العراقيون والأكثرون .

                                                                                                                                                                        الثالث : منافع المغصوب ، يضمنها المشتري للمالك بأجرة مثلها ، سواء استوفاها بالسكون والركوب واللبس ونحوها ، أم فاتت تحت يده ، ولا يرجع بما استوفاه ، [ ص: 64 ] ولا بالمهر وأرش البكارة على الجديد الأظهر ، ويرجع بما تلف تحت يده على الأصح .

                                                                                                                                                                        الرابع : لا يرجع بقيمة الولد المنعقد حرا على المذهب . وقيل : قولان . ويرجع بأرش نقص الولادة على المذهب ، وبه قطع العراقيون . وقيل : وجهان . ولو وهب الجارية المغصوبة ، فاستولدها المتهب جاهلا بالحال ، وغرم قيمة الولد ، ففي رجوعه بها وجهان .

                                                                                                                                                                        الخامس : إذا بنى المشتري أو غرس في المغصوبة ، فجاء المالك ونقض ، رجع بأرش النقصان على الغاصب على الأصح ، وبه قطع العراقيون . قال البغوي : والقياس : أن لا يرجع على الغاصب بما أنفق على العبد وما أدى من خراج الأرض ، لأنه شرع في الشراء على أنه يضمنهما .

                                                                                                                                                                        السادس : لو زوج الغاصب المغصوبة ، فوطئها الزوج جاهلا ، غرم مهر المثل للمالك ، ولا يرجع به على الغاصب ، لأنه شرع فيه على أن يضمن المهر . فلو استخدمها الزوج ، وغرم الأجرة ، لم يرجع لأنه لم يسلطه بالتزويج على الاستخدام ، بخلاف الوطء ، ويرجع بغرم المنافع التالفة تحت يده ، لأنه لم يستوفها ، ولم يشرع على أن يضمن . والقول في قيمتها لو تلفت في يده سبق ، فإن غرمها رجع بها . قال الأصحاب : وضابط هذه المسائل أن ينظر فيما غرمه من أثبت يده على [ يد ] الغاصب جاهلا . فإن دخل على أن يضمنه ، لم يرجع ، وإن شرع على أن لا يضمنه ، فإن لم يستوف ما يقابله رجع به . وإن استوفاه ، فقولان : فلو غصب شاة فولدت في يد المشتري ، أو شجرة فأثمرت ، فأكل فائدتهما ، وغرمهما للمالك ففي رجوعه بما غرم على الغاصب قولان : كالمهر . وإن هلكت تحت يده ، فهي كالمنافع التي لم [ ص: 65 ] يستوفها ، وكذا القول في الأكساب .

                                                                                                                                                                        ولو انفصل الولد ميتا ، فالمذهب : أنه لا ضمان ، وكذا إذا انفصل ميتا في يد الغاصب . ولو استرضع المشتري الجارية في ولده أو ولد غيره ، وغرم أجرة مثلها ، ففي رجوعه بها قولان ، كالمهر ، ويغرم المشتري اللبن وإن انصرف إلى سخلتها وعاد نفعه إلى المالك ، كما لو غصب علفا وعلف به بهيمة مالكه ، قال البغوي : وينبغي أن يرجع لأنه لم يدخل فيه على أن يضمنه ، ولا عاد نفعه إليه . ولو أجر العين المغصوبة ، غرم المستأجر أجرة المثل للمالك ، ولم يرجع بها على الغاصب ، ويسترد المسمى . ولو أعارها ، رجع المستعير بما غرم للمنافع الفائتة تحت يده . وفي الرجوع بما غرمه للمنافع المستوفاة القولان . وكذا ما غرم للأجزاء التالفة بالاستعمال .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        كل ما لو غرمه المشتري رجع به على الغاصب . فإذا طولب به الغاصب وغرمه لم يرجع به على المشتري ، وكل ما [ لو ] غرمه المشتري ، لم يرجع به على الغاصب ، فإذا غرمه الغاصب رجع به على المشتري ، وكذا الحكم في غير المشتري ممن أثبتت يده على يد الغاصب .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        لو نقصت الجارية بالولادة ، والولد رقيق تفي قيمته بنقصها ، لم ينجبر به النقص ، بل يأخذ الولد والأرش .

                                                                                                                                                                        [ ص: 66 ]

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية