الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        إذا استأجر لزراعة جنس معين ، جاز أن يزرعه وما ضرره مثل ضرره أو دونه ، لا ما فوقه ، والحنطة فوق ضرر الشعير . وكل واحد من الذرة والأرز فوق ضرر الحنطة . وعن البويطي : أنه لا يجوز زرع غير المعين ، فقيل : هو قول للشافعي - رضي الله عنه - . وقيل : هو مذهب للبويطي . وكيف كان ، فالمذهب جوازه . هذا إذا عين جنسا أو نوعا . فلو قال : أجرتكها لزرع هذه الحنطة ، ففي صحة العقد وجهان . أحدهما : المنع ، لأن تلك الحنطة قد تتلف . والثاني : الصحة ، وهو اختيار ابن كج ، ولا تتعذر الزراعة بتلف تلك الحنطة .

                                                                                                                                                                        قلت : الأصح : الصحة ، لأنه لا يتعذر بتلف الحنطة . ولو تعذر ، لم يكن احتمال التلف مانعا ، كالاستئجار لإرضاع هذا الصبي ، والحمل على هذه الدابة . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        [ ص: 217 ] ولو قال : لتزرع هذه الحنطة ولا تزرع غيرها ، فأوجه . أحدها : يفسد العقد ، لأنه ينافي مقتضاه . قال ابن كج والروياني : وهذا هو المذهب . والثاني وهو اختيار الإمام : صحة العقد وفساد الشرط ، لأنه شرط لا يتعلق به غرض ، فهو كقوله : أجرتك على أن لا تلبس إلا الحرير . والثالث : يصح العقد والشرط ، لأنه يملك المنفعة من المؤجر ، فملك بحسب التمليك .

                                                                                                                                                                        قلت : الأول أقوى . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        وعلى هذا قياس استيفاء سائر المنافع . فإذا استأجر دابة للركوب في طريق ، لم يركبها في طريق أحزن منه وله ركوبها في مثل ذلك الطريق . وإذا استأجر لحمل الحديد ، لم يحمل القطن ولا العكس ، وإذا استأجر دكانا لصنعة ، منع مما فوقها في الضرر .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        إذا تعدى المستأجر للحنطة ، فزرع الذرة ، ولم يتخاصما حتى انقضت المدة وحصد الذرة ، فالمذهب ، وهو نصه في " المختصر " وبه قال أبو علي الطبري والقاضي أبو حامد : أن المؤجر بالخيار ، بين أن يأخذ المسمى وبدل النقصان الزائد بزراعة الذرة على ضرر الحنطة ، وبين أن يأخذ أجرة المثل لزرع الذرة . وقال كثيرون : في المسألة قولان . أحدهما : تعيين أجرة المثل للذرة . والثاني : تعيين المسمى [ ص: 218 ] وبدل النقص . وقال ابن القطان : قولان . أحدهما : المسمى وبدل النقص . والثاني : التخيير .

                                                                                                                                                                        قلت : وهل يصير ضامنا للأرض غاصبا ؟ وجهان حكاهما الشاشي في [ المستظهري ] أصحهما : لا . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        ولو تخاصما عند إرادته زراعة الذرة ، منع منها ، وإن تخاصما بعد زراعتها وقبل حصادها ، فله قلعها . وإذا قلع ، فإن تمكن من زراعة الحنطة ، زرعها ، وإلا ، فلا يزرع ، وعليه الأجرة لجميع المدة ، لأنه الذي فوت مقصود العقد . ثم إن لم تمض على بقاء الذرة مدة تتأثر الأرض بها ، فذاك ، وإن مضت ، فالمستحق أجرة المثل ؟ أم قسطها من المسمى مع بدل النقصان ؟ أم يتخير بينهما ؟ فيه الطرق السابقة . والطرق جارية فيما إذا استأجر دارا ليسكنها ، فأسكنها الحدادين أو القصارين ، أو دابة ليحمل عليها قطنا ، فحمل بقدره حديدا ، أو غرفة ليضع فيها مائة رطل حنطة ، فأبدلها بحديد ، وكذا كل صورة لا يتميز فيها المستحق عما زاد .

                                                                                                                                                                        فلو تميز ، بأن استأجر دابة لحمل خمسين رطلا ، فحمل مائة ، أو إلى موضع ، فجاوزه ، وجب المسمى وأجرة المثل لما زاد قطعا . ولو عدل عن الجنس المشروط إلى غيره ، بأن استأجر للزرع ، فغرس ، أو بنى ، وجبت أجرة المثل على المذهب .

                                                                                                                                                                        وقيل بطرد الخلاف . وإذا قلنا بالمذهب في أصل المسألة : إنه يتخير ، فاختار المسمى وبدل النقصان الزائد ، فمثله أجرة مثلها للحنطة خمسون ، وللذرة سبعون ، وكان المسمى أربعين ، فله الأربعون والتفاوت بين الأجرتين وهو عشرون .

                                                                                                                                                                        قلت : وإذا حصد المستأجر ما أذن فيه بعد المدة ، لزمه قلع ما يبقى في الأرض من قصب الزرع وعروقه ، لأنه عين ماله ، فلزمه إزالته عن ملك غيره . وممن صرح به ، صاحب البيان . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية