الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        إذا خلط المغصوب بغيره ، فقد يتعذر التمييز بينهما ، وقد لا . وإذا تعذر ، فقد يكون ذلك الغير من جنسه ، وقد لا . فإن كان كالزيت بالزيت . والحنطة بالحنطة ، نظر ، فإن خلطه بأجود من المغصوب أو مثله ، أو أردأ منه ، فالمذهب النص أنه كالهالك حتى يتمكن الغاصب من أن يعطيه قدر حقه من غير المخلوط . وقيل : قولان . أحدهما : هذا . والثاني : يشتركان في المخلوط ، ويرجع في قدر حقه من نفس المخلوط . وقيل : إن خلط بالمثل ، اشتركا ، وإلا فكالهالك . فإن قلنا : كالهالك ، فللغاصب دفع المثل من غير المخلوط ، وله دفعه منه إذا خلطه بالأجود أو بالمثل ، وليس له دفع قدر حقه من المخلوط بالأردأ ، إلا أن يرضى المالك . وإذا رضي ، فلا أرش له كما إذا أخذ الرديء من موضع آخر . وإن قلنا بالشركة ، فإن خلط بالمثل ، فقدر زيته من المخلوط له . وإن خلط بالأجود ، بأن خلط صاعا قيمته درهم ، بصاع قيمته درهمان ، نظر ، إن أعطاه صاعا من المخلوط أجبر المالك على قبوله ، وإلا [ ص: 53 ] فيباع المخلوط ويقسم الثمن بينهما أثلاثا ، فإن أراد قسمة عين الزيت على نسبة القيمة ، فالمشهور : أنه لا يجوز ، وفي قول رواه البويطي : يجوز ، وفي وجه : يكلف الغاصب تسليم صاع من المخلوط ، لأن اكتساب المغصوب صفة الجودة بالخلط ، كزيادة متصلة . وإن خلط بالأردأ بأن خلط صاعا [ قيمته درهمان بصاع ] قيمته درهم ، أخذ المغصوب منه صاعا من المخلوط مع أرش النقص ، لأن الغاصب متعد بالخلط ، بخلاف المفلس إذا خلط بالأردإ ، فإن البائع إذا رجع بصاع من المخلوط لا أرش له ، لعدم التعدي ، فإن اتفقا على بيع المخلوط وقسمة الثمن أثلاثا جاز ، وإن أراد قسمة الزيت على نسبة القيمتين ، فقيل : هو على الخلاف في طرق الأجود ، وقيل : بالمنع قطعا .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        خلط الخل بالخل واللبن باللبن ، كخلط الزيت بالزيت . وإن خلط الدقيق بالدقيق ، فإن قلنا : هو مثلي ، فكالزيت بالزيت . وإن قلنا : متقوم ، فإن قلنا : المختلط هالك ، فالواجب على الغاصب القيمة . وإن قلنا : بالشركة ، بيع وقسم الثمن بينهما على قدر القيمتين . فإن أراد قسمة عين الدقيق على نسبة القيمتين ، وكان الخلط بالأجود أو الأردأ ، فعلى ما ذكرنا في خلط الزيت بالزيت . وإن كان الخلط بالمثل ، جازت القسمة إن جعلناها إفرازا . وإن جعلناها بيعا لم يجز ، لأن بيع الدقيق بالدقيق لا يجوز .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        خلط [ المغصوب ] بغير الجنس كزيت بشيرج أو دهن جوز ، أو دقيق حنطة بدقيق شعير ، فالمغصوب هالك لبطلان فائدة خاصيته ، بخلاف الجيد بالرديء . وقيل : هو على الخلاف [ ص: 54 ] السابق ، واختار المتولي الشركة هناك وهنا ، وقال : إن تراضيا على بيع المخلوط وقسمة الثمن جاز ، وإن أراد قسمته جاز ، وكأن المغصوب منه باع ما يصير في يد الغاصب من الزيت بما يصير في يده من الشيرج . قال الإمام : وألحق الأصحاب بخلط الزيت بالشيرج لت السويق بالزيت ، وهو بعيد ، وإنما هو كصبغ الثوب .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        إذا لم يتعذر التمييز ، لزم الغاصب التمييز وفصله بالالتقاط وإن شق ، سواء خلط الجنس كالحنطة البيضاء بالحمراء ، أو بغيره كالحنطة بالشعير .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        إذا خلط الزيت بالماء ، وأمكن التمييز ، لزمه التمييز وأرش النقص إن نقص ، وإلا فهو كخلطه بالشيرج ، إلا أن لا تبقى له قيمة ، فيكون هالكا قطعا . فإن حصل فيه مميزا كان أو غيره نقص سار ، فقد سبق حكمه .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية