الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        المستأجر يضمن بالتعدي ، بأن ضرب الدابة أو كبحها فوق العادة ، وعادة الضرب تختلف في حق الراكب ، والرائض ، والراعي ، فكل يراعى فيه عادة أمثاله ، ويحتمل في الأجير للرياضة والرعي ما لا يحتمل في المستأجر للركوب .

                                                                                                                                                                        وأما الضرب المعتاد ، إذا أفضى إلى تلف ، فلا يوجب ضمانا ، ويخالف ضرب الزوج زوجته ، فإنه يضمن ، لأنه يمكن تأديبها بغير الضرب . ولو نام بالليل في الثوب الذي استأجره ، أو نقل فيه التراب ، أو ألبسه عصارا ، أو دباغا ، أو غيرهما ممن هو دون حاله ، أو أسكن الدار قصارا أو حدا‌‌دا أو غيرهما ممن هو أشد ضررا منه ، أو أركب [ ص: 233 ] الدابة أثقل منه ، وجب الضمان ، وقراره على الثاني إن كان عالما ، وإلا ، فعلى الأول . وإن أركبها مثله ، فجاوز العادة في الضرب ، فالضمان على الثاني دون الأول ، لأنه لم يتعد . ولو اكترى لمائة رطل حديد ، فحمل مائة من القطن أو التبن ، أو بالعكس ، أو مائة رطل حنطة ، فحمل مائة رطل شعير أو عكسه ، ضمن ، لأن الشعير أخف ، ومأخذه من ظهر الدابة أكثر ، والحنطة يجتمع ثقلها في موضع واحد ، وكذا القطن والحديد . ولو اكترى لعشرة أقفزة حنطة ، فحمل عشرة شعيرا ، لم يضمن ، لأن قدرهما في الحجم سواء ، والشعير أخف ، وبالعكس يضمن . ولو اكترى ليركب بسرج ، فركب بلا شيء أو عكسه ، ضمن ، لأن الأول أضر بالدابة ، والثاني زيادة على المشروط . ولو اكترى ليحمل عليها بالإكاف ، فحمل بالسرج ، ضمن ، لأنه أشق عليها ، وبالعكس لا يضمن ، إلا أن يكون أثقل ، ولو اكترى ليركب بالسرج ، فركب بالإكاف ، ضمن ، وبالعكس لا يضمن ، إلا أن يكون أثقل ، وقس على [ هذا ] أشباهه .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        لو اكترى دابة لحمل مقدار سمياه ، فكان المحمول أكثر ، نظر ، إن كانت الزيادة بقدر ما يقع من التفاوت بين الكيلين من ذلك المبلغ ، فلا عبرة بها ، وإن كانت أكثر ، بأن كان المشروط عشرة آصع ، والمحمول أحد عشر ، فللمسألة ثلاثة أحوال .

                                                                                                                                                                        أحدها : إذا كال المستأجر الطعام ، وحمله هو عليها ، فعليه أجرة المثل لما زاد على المشهور ، وفي قول : عليه أجرة المثل للجميع . وفي قول : يتخير بين المسمى وما دخل الدابة من نقص وبين أجرة المثل . وفي قول : يتخير بين المسمى وأجرة المثل للزيادة وبين أجرة المثل للجميع . فلو تلفت البهيمة بالحمل ، فإن انفراد المستأجر باليد ، ولم يكن معها صاحبها ، فعليه ضمانها ، لأنه صار غاصبا ، وإن كان معها صاحبها ، فهل [ ص: 234 ] يلزمه كل القيمة ، أم نصفها ، أم قسط الزيادة من جملة القيمة ؟ فيه أقوال . أظهرها : الثالث ، ورجحه الإمام وغيره . وعن الشيخ أبي محمد ، أن الثاني أظهر . ولو تلفت الدابة بسبب غير الحمل ، ضمن عند انفراده باليد ، ولم يضمن إذا لم ينفرد . و [ أما ] إذا لم يحمل المستأجر الطعام بنفسه ، ولكنه كاله وسلمه إلى المؤجر ، فحمله المؤجر على البهيمة ، فإن كان المؤجر جاهلا بالحال ، بأن قال له هو عشرة كاذبا ، وجب الضمان على المذهب ، كما لو حمل بنفسه .

                                                                                                                                                                        وقيل : قولان ، لاجتماع الغرور والمباشرة . وإن كان عالما بالزيادة ، نظر ، إن لم يقل له المستأجر شيئا ، ولكن حمله المؤجر ، فحكمه ما يأتي في الحال الثاني ، لأنه حمل بغير إذن صاحبه ، ولا فرق بين أن يضعه المستأجر على الأرض فيحمله المؤجر على البهيمة ، وبين أن يضعه على ظهر الدابة وهى واقفة فيسيرها المؤجر . وإن قال المستأجر : احمل هذه الزيادة ، فأجابه ، قال ‌المتولي : هو مستعير للبهيمة في الزيادة ، فلا أجرة لها ، وإذا تلفت البهيمة بالحمل ، فعليه الضمان . وفي كلام الأئمة ما ينازعه في الأجرة والضمان جميعا .

                                                                                                                                                                        الحال الثاني : إذا كال المؤجر وحمله على البهيمة ، فلا أجرة لما زاد ، سواء غلط أو تعمد ، وسواء جهل المستأجر الزيادة أو علمها وسكت ، لأنه لم يأذن في نقل الزيادة ، فلا يجب عليه ضمان البهيمة ، وله مطالبة المؤجر برد الزيادة إلى الموضع المنقول منه ، وليس للمؤجر أن يردها دون رضاه . فلو لم يعلم المستأجر حتى عاد إلى البلد المنقول منه ، فله مطالبة المؤجر بردها . والأظهر أو الأصح : أن له مطالبته ببدلها في الحال ، كما لو أبق المغصوب من يد الغاصب .

                                                                                                                                                                        والثاني : لا يطالبه ببدلها ، لأن عين ماله باقية ، وردها مقدور عليه . فإذا قلنا بالأول ، فغرم البدل ، فإذا ردها إلى ذلك البلد ، استرد البدل وردها إليه .

                                                                                                                                                                        أما لو كال المؤجر ، وحمله المستأجر على البهيمة ، قال المتولي : إن كان المؤجر عالما بالزيادة ، فهو كما لو كال بنفسه وحمل ، [ ص: 235 ] لأنه لما علم بالزيادة كان من حقه أن لا يحملها . وإن كان جاهلا ، فوجهان مأخوذان مما لو قدم الطعام المغصوب إلى المالك فأكله جاهلا ، هل يبرأ من الضمان ؟ الحال الثالث : إذا كال أجنبي وحمل بلا إذن ، فعليه أجرة الزيادة للمؤجر ، وعليه الرد إلى الموضع المنقول منه إن طالبه المستأجر ، وضمان البهيمة على ما ذكرناه في حق المستأجر . وإن تولى الحمل بعد كيل الأجنبي أحد المتكاريين ، نظر ، أعالم هو ، أم جاهل ؟ ويقاس بما ذكرناه . هذا كله إذا اتفقا على الزيادة ، وعلى أنها للمستأجر ، فإن اختلفا في أصل الزيادة ، أو قدرها ، فالقول قول المنكر . وإن ادعى المؤجر أن الزيادة له ، والدابة في يده ، فالقول قوله . وإن لم يدعها واحد منهما ، تركت في يد من هي في يده حتى يظهر مستحقها ، ولا يلزم المستأجر أجرتها .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        لو وجد المحمول على الدابة دون المشروط ، نظر ، إن كان النقص بقدر ما يقع من التفاوت بين الكيلين ، فلا عبرة به ، وإن كان أكثر ، قال المتولي : إن كال المؤجر ، حط من الأجرة بقسطه إن لم يعلم المستأجر . فإن علم ، فإن كانت الإجارة في الذمة ، فكذلك ، لأنه لم يف بالمشروط . وإن كانت إجارة عين ، فالحكم كما لو كال المستأجر بنفسه ونقص ، فلا يحط شيء من الأجرة ، لأن التمكين من الاستيفاء قد حصل ، وذلك كاف في تقرر الأجرة .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        اكترى اثنان دابة وركباها ، فارتدفهما ثالث بغير إذنهما ، فتلفت ، ففيما يلزم المرتدف [ ص: 236 ] ثلاثة أوجه . أحدها : نصف القيمة . والثاني : ثلثها . والثالث : تقسط على أوزانهم ، فيلزمه حصة وزنه .

                                                                                                                                                                        قلت : أصحها : الثاني . قال الشيخ أبو حامد وغيره : لو سخر رجلا مع بهيمته ، فتلفت البهيمة في يد صاحبها ، لم يضمنها المسخر ، لأنها في يد صاحبها . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية