الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        وأما المال في يد الأجير ، كالثوب إذا استؤجر لخياطته أو صبغه أو قصارته ، والعبد إذا استؤجر لتعليمه أو لرضاعه ، والدابة إذا استؤجر لرياضتها . فإذا تلف والأجير منفرد باليد ، فهو ، إما أجير مشترك ، وإما منفرد . والمشترك : هو الذي يتقبل العمل في ذمته ، كما هو عادة الخياطين والصواغين . فإذا التزم لواحد ، أمكنه أن يلتزم لغيره مثل ذلك العمل ، فكأنه مشترك بين الناس . والمنفرد : هو الذي أجر نفسه مدة مقدرة لعمل ، فلا يمكنه تقبل مثل ذلك العمل لغيره في تلك المدة .

                                                                                                                                                                        وقيل : المشترك : هو الذي شاركه في الرأي فقال : اعمل في أي موضع شئت . والمنفرد : هو الذي عين عليه العمل وموضعه . أما المشترك ، فهل يضمن ما تلف في يده بلا تعد ولا تقصير ؟ فيه طريقان . أصحهما : قولان . أحدهما : يضمن كالمستعير والمستلم . وأظهرهما : لا يضمن كعامل القراض . والثاني : لا يضمن قطعا .

                                                                                                                                                                        وأما المنفرد ، فلا يضمن على المذهب ، وقطع به جماعة . أما إذا لم يكن الأجير منفردا باليد ، كما إذا قعد المستأجر عنده حتى عمل ، أو حمله إلى بيته ليعمل ، فالمذهب وبه قطع الجمهور : لا ضمان ، لأن المال غير مسلم إليه حقيقة ، وإنما استعان به المالك ، كالاستعانة بالوكيل . وعن الإصطخري والطبري ، طرد القولين . وحيث ضمنا الأجير ، فالواجب أقصى قيمة من القبض إلى التلف ، أم قيمة يوم التلف ؟ فيه وجهان .

                                                                                                                                                                        قلت : أصحهما : الثاني . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        هذا كله إذا لم يتعد الأجير ، فإن تعدى ، وجب الضمان قطعا ، وذلك مثل أن [ ص: 229 ] يسرف على الخبز في الإيقاد ويلصق الخبز قبل وقته ، أو يتركه في التنور فوق العادة حتى يحترق ، أو ضرب على التأديب والتعليم الصبي فمات ، لأن تأديبه بغير الضرب ممكن . ومتى اختلفا في التعدي ومجاوزة الحد ، عملنا بقول عدلين من أهل الخبرة ، فإن لم نجدهما ، فالقول قول الأجير . ومتى تلف المال في يده بعد تعديه ، فالواجب أقصى قيمة من وقت التعدي إلى التلف إن لم يضمن الأجير . فإن ضمناه ، فأقصى قيمة من القبض إلى التلف ، كذا ذكره البغوي وغيره . ويشبه أن يكون هذا جوابا على قولنا : يضمن بأقصى قيمة من القبض إلى التلف . فأما إن قلنا : يضمن قيمة يوم التلف ، فينبغي أن يجب هنا أقصى قيمة من التعدي إلى التلف .

                                                                                                                                                                        قلت : هذا الاستدراك الذي ذكره الإمام الرافعي ، متعين لا بد منه . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        قال الأصحاب : إذا حجمه أو ختنه فتلف ، إن كان المحجوم والمختون حرا ، فلا ضمان ، لأنه لا تثبت اليد عليه . وإن كان عبدا ، نظر في انفراد الحاجم باليد وعدم انفراده ، وأنه أجير مشترك ، أم لا ؟ وحكمه ما سبق . والمذهب : أنه لا ضمان مطلقا إذا لم يفرط . وكذا البيطار إذا بزغ الدابة فتلفت ، والراعي المنفرد كذلك ، فلا ضمان عليهما على المذهب ، ولو اكتراه ليحفظ متاعه في دكانه فتلف ، فلا ضمان [ قطعا ] ، لأن المال في يد المالك .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية