الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        النقص الحادث في المغصوب ، ضربان :

                                                                                                                                                                        أحدهما : ما لا سراية له ، فعلى الغاصب أرشه ورد الباقي ، ولا فرق بين أن يكون الأرش قدر القيمة كقطع يدي العبد أو دونها ولا بين أن تفوت معظم منافعه أو لا تفوت ، ولا بين أن يبطل بالجناية عليه الاسم الأول كذبح الشاة [ ص: 33 ] وطحن الحنطة ، وتمزيق الثوب ، أو لا يبطل . فلو أراد المالك ترك الناقص عند الغاصب وتغريمه بدله ، لم يكن له ذلك ، لأنه عين ملكه . وفي وجه : إذا طحن الطعام ، فله تركه وطلب المثل ، لأنه أقرب إلى حقه من الدقيق .

                                                                                                                                                                        الضرب الثاني : ما له سراية ، لا يزال يسري إلى الهلاك الكلي ، كما لو بل الحنطة وتمكن فيها العفن الساري ، أو اتخذ منها هريسة ، أو غصب سمنا وتمرا ودقيقا وعمله عصيدة ، وفيه نصوص وطرق مختلفة تجمعها أربعة أقوال منصوصة . أظهرها عند العراقيين : يجعل كالهالك ويغرم بدل كل مغصوب من مثل أو قيمة . والثاني : يرده مع أرش النقص ، وليس للمالك إلا ذلك ، واختاره الإمام والبغوي . والثالث : يتخير المالك بين موجب القولين ، واختاره الشيخ أبو محمد ، والمسعودي . والرابع : يتخير الغاصب بين أن يمسكه ويغرمه ، وبين أن يرده مع أرش النقص .

                                                                                                                                                                        قلت : رجح الرافعي في المحرر الأول أيضا . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        فعلى الأول : لمن تكون الحنطة المبلولة ؟ وجهان نقلهما المتولي . أحدهما : تبقى للمالك كما لو نجس زيته وقلنا : لا يطهر بالغسل ، فإن المالك أولى به . والثاني : يصير للغاصب . وإذا حكمنا بالأرش مع الرد ، غرم أرش عيب سار . قال المتولي : فإن رأى الحاكم أن يسلم الجميع إليه فعل ، وإن رأى يسلم أرش النقص المتحقق إليه في الحال ووقف الزيادة إلى أن تتيقن نهايته . وفي هذا نظر ، لأن المفهوم من أرش العيب الساري أرش عيب شأنه السراية ، وهو حاصل [ ص: 34 ] في الحال . أما المتولد منه ، فيجب قطع النظر عنه ، إذ الكلام في نقص لا تقف سرايته إلى الهلاك . فلو نظرنا إلى المتولد منه ، لانجر إلى تمام القيمة ، وهو عود إلى القول الأول ، وقد بين ما قلناه أبو خلف السلمي في شرح المفتاح فقال في قول التخيير : إن شاء المالك غرمه ما نقص إلى الآن ، ثم لا شيء له في زيادة فساد حصل بعد ذلك ، وإن شاء تركه له وطالبه بجميع البدل .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        من صور هذا الضرب ما إذا صب الماء في الزيت وتعذر تخليصه منه ، فأشرف على الفساد . وعن الشيخ أبي محمد تردد في مرض العبد المغصوب إذا كان ساريا عسر العلاج ، كالسل والاستسقاء ، ولم يرضه الإمام ، لأن المريض المأيوس منه قد يبرأ ، والعفن المفروض في الحنطة يفضي إلى الفساد قطعا .

                                                                                                                                                                        قلت : ولو عفن الطعام في يده لطول المكث ، فطريقان . قال الشيخ أبو حامد : هو كبل الحنطة . وقال القاضي أبو الطيب : يتعين أخذه مع الأرش قطعا ، واختاره ابن الصباغ ، وهو الأصح . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية