الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 403 ] ( قال ولا شهادة الوالد لولده وولد ولده ، ولا شهادة الولد لأبويه وأجداده ) والأصل فيه قوله عليه الصلاة والسلام { لا تقبل شهادة الولد لوالده ولا الوالد لولده ولا المرأة لزوجها ولا الزوج لامرأته ولا العبد لسيده ولا المولى لعبده ولا الأجير لمن استأجره } ولأن المنافع بين الأولاد والآباء متصلة لهذا لا يجوز أداء الزكاة إليهم فتكون شهادة [ ص: 404 ] لنفسه من وجه أو تتمكن فيه التهمة . قال العبد الضعيف : والمراد بالأجير على ما قالوا التلميذ الخاص الذي يعد ضرر أستاذه ضرر نفسه ونفعه نفع نفسه ، وهو معنى قوله عليه الصلاة والسلام { لا شهادة للقانع بأهل البيت } وقيل المراد الأجير مسانهة أو مشاهرة أو مياومة فيستوجب الأجر بمنافعه عند أداء الشهادة فيصير كالمستأجر عليها .

التالي السابق


( قوله ولا شهادة الوالد ) وإن علا لولده وإن سفل ( ولا شهادة الولد لأبويه وأجداده ) أما الولد من الرضاع فتقبل الشهادة له . قال المصنف : والأصل فيه قوله صلى الله عليه وسلم " لا تقبل " إلخ .

وهذا الحديث غريب ، وإنما أخرجه ابن أبي شيبة وعبد الرزاق من قول شريح قال : لا تجوز شهادة الابن لأبيه ، ولا الأب لابنه ، ولا المرأة [ ص: 404 ] لزوجها ، ولا الزوج لامرأته ، ولا الشريك لشريكه في الشيء بينهما لكن في غيره ولا الأجير لمن استأجره ولا العبد لسيده " انتهى .

وقال ابن أبي شيبة : حدثنا وكيع عن سفيان به وأخرجا نحوه عن إبراهيم النخعي ، لكن الخصاف وهو أبو بكر الرازي الذي شهد له أكابر المشايخ أنه كبير في العلم رواه بسنده إلى عائشة رضي الله عنها : ثنا صالح بن زريق وكان ثقة : ثنا مروان بن معاوية الفزاري عن يزيد بن زياد الشامي عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { لا تجوز شهادة الوالد لولده . ولا الولد لوالده ، ولا المرأة لزوجها ، ولا الزوج لامرأته ، ولا العبد لسيده ، ولا السيد لعبده ، ولا الشريك لشريكه ، ولا الأجير لمن استأجره } انتهى .

وقد فسر في رواية شريح أمر الشريك . وذكر المصنف أيضا عنه صلى الله عليه وسلم { لا شهادة للقانع بأهل البيت } وهو بعض حديث رواه أبو داود في سننه عن محمد بن راشد عن سليمان بن موسى عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رد شهادة الخائن والخائنة وذي الغمر على أخيه وشهادة القانع بأهل البيت وأجازها لغيرهم } .

قال أبو داود : الغمر الشحناء ، وكذا رواه عبد الرزاق في مصنفه ، وعنه رواه أحمد قال في التنقيح : محمد بن راشد وثقه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وغيرهما ، وتكلم فيه بعض الأئمة ، وقد تابعه غيره عن سليمان ، ورواه عن عمرو بن شعيب الحجاج بن أرطاة في ابن ماجه وآدم بن فائد في الدارقطني ، ولم يذكرا فيه القانع . وأخرج الترمذي عن يزيد بن زياد الدمشقي عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة ، ولا مجلود حدا ، ولا ذي غمر على أخيه . ولا مجرب بشهادة زور ، ولا القانع بأهل البيت ، ولا ظنين في ولاء ولا قرابة } انتهى .

وقال : غريب لا نعرفه إلا من حديث يزيد بن زياد الدمشقي ، وهو يضعف في الحديث . قال : والغمر العداوة انتهى . وقال أبو عبيد : الغمر العداوة ، والقانع التابع لأهل البيت كالخادم لهم . قال : يعني ويطلب معاشه منهم . والظنين : المتهم في دينه . فهذا الحديث لا ينزل عن درجة الحسن . فإذا ثبت رد القانع وإن كان عدلا فالولد [ ص: 405 ] والوالد ونحوهما أولى بالرد . لأن قرابة الولاد أعظم في ذلك فيثبت حينئذ رد شهادتهم بدلالة النص ، ويكون دليلا على صحة حديث الترمذي المذكور فيه { ولا ظنين في ولاء ولا قرابة } وإن كان راويه مضعفا .

إذ ليس الراوي الضعيف كل ما يرويه باطل إنما يرد بتهمة الغلط لضعفه ، فإذا قامت دلالة أنه أجاد في هذا المتن وجب اعتباره صحيحا وإن كان من روايته ، ولأن المنافع بين الأولاد والآباء متصلة فتكون شهادة لنفسه من وجه ، ولكون قرابة الولاد كنفسه من وجه لم يجز شرعا وضع الزكاة فيهم ، وعلى هذا كان شريح " حتى رد شهادة الحسن رضي الله عنه حين شهد مع قنبر لعلي رضي الله عنه فقال علي : أما سمعت { أنه صلى الله عليه وسلم قال للحسن والحسين هما سيدا شباب أهل الجنة } قال : نعم صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم . ولكن ائت بشاهد آخر ، فقيل عزله ثم أعاده وزاد في رزقه " فقيل رجع علي رضي الله عنه إلى قوله ، وقوله والمراد بالأجير على ما قالوا التلميذ الخاص الذي يعد ضرر أستاذه ضرر نفسه ونفعه نفع نفسه ، وهو معنى قوله صلى الله عليه وسلم { لا شهادة للقانع بأهل البيت } وقد ذكرناه .

وفي الخلاصة : والتلميذ الخاص الذي يأكل معه وفي عياله وليس له أجرة معلومة . وقيل المراد بالأجير الأجير مسانهة أو مشاهرة أو مياومة ، لأنه إذا كانت إجارته على هذا الوجه دخلت منفعته التي هي الأداء في أجرته فيكون مستوجبا الأجر بها فيصير كالمستأجر عليها لأن العقد وقع موجبا تمليك منافعه ، ولهذا يستحق الأجرة بتسليم نفسه وإن لم يعمل ، بخلاف الأجير المشترك حيث تقبل شهادته للمستأجر لأن العقد لم يقع موجبا تمليك منافعه بل وقع على عمل معين له ، ولهذا لا يستحق الأجرة حتى يعمل فافترقا . وفي العيون : قال محمد رحمه الله في رجل استأجر رجلا يوما واحدا فشهد له الأجير في ذلك اليوم : القياس أن لا تقبل ، ولو كان أجيرا خاصا فشهد فلم يعدل حتى ذهب الشهر ثم عدل قال أبطلها كرجل شهد لامرأته ثم طلقها ، ولو شهد ولم يكن أجيرا ثم صار أجيرا له قبل أن يقضي فإني أبطل شهادته فإن لم تبطل حتى بطلت الإجارة ثم أعاد الشهادة جازت ، كالمرأة إذا طلقها قبل أن ترد شهادته ثم أعادها تجوز . وما في زيادات الأصل من قوله تقبل شهادة الأجير حمل على الأجير المشترك كما حمل ما في كتاب كفالة الأصل لا تجوز شهادة الأصل على الأجير الخاص لما في نوادر ابن رستم قال محمد : لا أجيز شهادة الأجير مشاهرة وإن كان أجيرا مشترك قبلت شهادته ا هـ . وأما شهادة الأستاذ للتلميذ والمستأجر للأجير فمقبولة لأن منافعهما ليست بمملوكة للمشهود له .




الخدمات العلمية