الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
8756 - من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له طريقا إلى الجنة (ت) عن أبي هريرة - (ح)

التالي السابق


(من سلك طريقا) حسية أو معنوية، ونكره ليتناول أنواع الطريق الموصلة إلى تحصيل أنواع العلوم الدينية (يلتمس) حال أو صفة أي يطلب، فاستعار له اللمس وهي رواية (فيه) أي في غايته أو سببه، وإرادة الحقيقة في غاية البعد للندرة (علما) نكره ليشمل كل علم وآلته ويندرج فيه ما قل وكثر، وتقييده بقصد وجه الله به لا حاجة إليه لاشتراطه في كل عبادة ،لكن يعتذر لقائله هنا بأن تطرق الرياء للعلم أكثر فاحتيج للتنبيه على الإخلاص، وظاهر قوله "يلتمس" أنه لا يشترط في حصول الجزاء الموعود به حصوله، فيحصل إذا بذل الجهد بنية صادقة وإن لم يحصل شيئا لنحو بلادة (سهل الله له به) أي بسببه (طريقا) في الآخرة أو في الدنيا بأن يوفقه للعمل الصالح (إلى الجنة) أي إلى السلوك المفهوم من "سلك" ذكره بعضهم، وقال الطيبي: الضمير في "به" عائد إلى "من" والباء للتعدية، أي يوفقه أن يسلك طريق الجنة، قال: ويجوز رجوع الضمير إلى العلم، والباء سببية، والعائد إلى "من" محذوف، والمعنى: سهل الله له بسبب العلم طريقا من طرق الجنة، وذلك لأن العلم إنما يحصل بتعب ونصب، وأفضل الأعمال أحزمها، فمن تحمل المشقة في طلبه سهلت له سبل الجنة، سيما إن حصل المطلوب، قال ابن جماعة: والأظهر أن المراد أن يجازيه يوم القيامة بأن يسلك به طريقا لا صعوبة له فيه ولا هول إلى أن يدخله الجنة سالما ، فأبان أن العلم ساعد السعادة، وأس السيادة، والمرقاة إلى النجاة في الآخرة، والمقوم لأخلاق النفوس الباطنة والظاهرة، فهو نعم الدليل، والمرشد إلى سواء السبيل، وتقديم الظرفين للاختصاص؛ لأن تسهيل طريق الجنة خاص بالله، وغيره في مقابلته كالعدم لأنه في حقه غير مفيد، وكذا بالنسبة لسببه، فإن غير هذا السبب من أسباب التسهيل كالعدم لأنه أقوى الأسباب المسهلة، وفيه حجة باهرة على شرف العلم وأهله في الدنيا والآخرة، لكن الكلام في العلم النافع؛ لأنه الذي يترتب عليه الجزاء المذكور كما تقرر

(ت) في العلم (عن أبي هريرة ) رمز لحسنه، وقضية صنيع المؤلف أن هذا مما لم يخرج في أحد الصحيحين وإلا لما عدل للترمذي مقتصرا، وهو عجب من هذا الإمام المطلع، فقد خرجه مسلم بلفظه، إلا أنه قال بدل "يلتمس": يطلب، وما أراه إلا ذهل عنه.



الخدمات العلمية