الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
9666 - الوحدة خير من جليس السوء، والجليس الصالح خير من الوحدة، وإملاء الخير خير من السكوت، والسكوت خير من إملاء الشر (ك هب) عن أبي ذر - (صح)

التالي السابق


(الوحدة خير من جليس السوء) لما في الوحدة من السلامة، وهي رأس المال، وقد قيل: لا يعدل بالسلامة شيء، وجليس السوء يبدي سوءه، والنفس أمارة بالسوء، فإن ملت إليه شاركك، وإن كففت عنه نفسك شغلك، ولهذا كان مالك بن دينار كثيرا ما يجالس الكلاب على المزابل ويقول: هم خير من قرناء السوء (والجليس الصالح خير من الوحدة) فإن مجالسته غنيمة وربح، وفيه حث على إيثار الوحدة إذا تعذرت صحبة الصالحين، وحجة لمن فضل العزلة، وأما الجلساء الصالحون فقليل ما هم، وقد ترجم البخاري على ذلك: باب: العزلة راحة من خلاط السوء، قال ابن حجر: هذا أثر خرجه ابن أبي شيبة بسند رجاله ثقات عن عمر ، لكنه منقطع، وأخرج ابن المبارك عن عمر : خذوا حظكم من العزلة، وما أحسن قول الجنيد: مكابدة العزلة أيسر من مداراة الخلطاء، وقال الغزالي: عليك بالتفرد عن الخلق لأنهم يشغلونك عن العبادة، قال بعضهم: مررت بجماعة يترامون وواحد جالس بعيد عنهم، فأردت أن أكلمه فقال: ذكر الله أشهى من كلامك، قلت: إنك وحدك، قال: معي ربي، قلت: من سبق من هؤلاء؟ قال: من غفر له، قلت: أين الطريق؟ فأشار بيده إلى السماء وقام وتركني، وقال حاتم الأصم : طلبت من هذا الخلق خمسة أشياء فلم أجدها: طلبت منهم الطاعة والزهادة فلم يفعلوها، فقلت: أعينوني عليها إن لم تفعلوا فلم يفعلوا، فقلت: ارضوا مني إن فعلت فلم يفعلوا، فقلت: لا تمنعوني منها إذا فلم يفعلوا، فقلت: لا تدعوني إلى معصية فلم يفعلوا، فتركتهم، ووجد مع داود الطائي كلب فقيل: ما هذا الذي تصحبه؟ قال: هذا خير من جليس السوء، وقد قيل: " وكل قرين بالمقارن يقتدي " وقال العارف أبو المواهب الشاذلي: الملحوظ بالتعظيم العين تلحظه بالوقار، فلذلك ينبغي له مصاحبة الأبرار ومباينة الأشرار صونا له من العار:


العيب في الجاهل المغمور مغمور. . . وعيب ذي الشهرة المشهور مشهور



وفي الحكم: صغيرة الكبير كبيرة، وكبيرة الصغير صغيرة، ونظمه بعضهم فقال: [ ص: 373 ]


فصغائر الرجل الكبير كبائر. . . وكبائر الرجل الصغير صغائر



واعلم أن خواص الخواص يرون أن كل مشتغل بغير الله -ولو مباحا صحبته- من قبيل أهل الشر وملحقة به، وأن أهل الجد والتشمير ممن لم يبلغ مرتبة أولئك يرى أن صحبة أهل البطالة، بل صحبة من لم يشاركهم في التشمير كصحبة أهل الشر، وقال بعضهم: صحبة الأشرار تورث سوء الظن بالأخيار

(تتمة) قال الغزالي: وفي الحديث إشارة إلى أن الطريق العدل أن تخالط الناس وتشاركهم في الخيرات، وتباينهم فيما سوى ذلك (وإملاء الخير) على الملك من أفعالك وأقوالك بالعلم وتكراره ونشره (خير من السكوت) وفي أثر: أنت في سلامة ما سكت، فإذا نطقت فإما لك أو عليك، بل قد يجب الإملاء ويحرم السكوت، وأمثلته لا تخفى (والسكوت خير من إملاء الشر) وفائدة الحديث أنه متى لم يتهيأ لك الخير فأمسك عن الشر تظفر بالسلامة

(ك) في المناقب (هب) من حديث ابن أبي عمران (عن أبي ذر ) قال: صدفت أتيت أبا ذر فوجدته في المسجد محتبيا بكساء أسود، فقلت: ما هذه الوحدة؟ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول... فذكره، قال الذهبي : لم يصح ولا صححه الحاكم اهـ، وقال ابن حجر: سنده حسن، لكن المحفوظ أنه موقوف على أبي ذر اهـ، ورواه أيضا أبو الشيخ [ ابن حبان ] والديلمي وابن عساكر في تاريخه.



الخدمات العلمية