الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
8644 - من حلف على يمين صبر يقتطع بها مال امرئ مسلم هو فيها فاجر لقي الله وهو عليه غضبان (حم ق 4) عن الأشعث بن قيس وابن مسعود - (صح)

التالي السابق


(من حلف على يمين) أي على محلوف يمين، قال القاضي: إنما قال "على يمين" تنزيلا للحلف منزلة المحلوف عليه اتساعا (صبر) بفتح الصاد وسكون الموحدة: هي التي تلزم ويجبر حالفها عليها حال كونه (يقتطع بها) أي بسبب اليمين (مال) وفي رواية: حق (امرئ) وهي بالترجيح أحق لعمومها وشمولها غير المال، كحد قذف، ونصيب زوجة في قسم ونحو ذلك ( مسلم ) قيد اتفاقي لا احترازي، فالذمي كذلك، بل حقه أوجب رعاية لإمكان أن يرضي الله المسلم المظلوم يوم الجزاء برفع درجاته فيعفو عن ظالمه، والكافر لا يصلح لذلك (هو فيها فاجر) أراد بالفجور لازمه وهو الكذب، وقال القاضي: أقام الفجور مقام الكذب ليدل على أنه من أنواعه (لقي الله) يوم القيامة (وهو عليه غضبان) فيعامله معاملة المغضوب عليه، من كونه لا ينظر إليه ولا يكلمه ولا يكرمه، بل يهينه ويعذبه، أو "وهو عليه غضبان" أي مريد لعقوبته، وإذا لقيه وهو يريدها جاز بعد ذلك أن يرفع عنه تماديه بشرط أن لا يكون متعلق إرادته عذابا واصبا، فإن ما تعلق به وصف الإرادة لا بد من وقوعه. وغفران الجرائم أصل من أصول الدين، إما بالموازنة أو بالطول المحض. والتنوين للتهويل أو للإشارة إلى عظم هذه الجريمة، وفي رواية: لقي الله أجذم، وفي أخرى: أوجب الله له النار وحرم عليه الجنة، وهذا خرج مخرج الزجر والمبالغة في المنع، بدليل تأكيد إيجاب النار في الرواية الأخيرة بتحريم الجنة؛ فإن أحدها يستلزم الآخر، والمقام يقتضي التأكيد؛ إذ مرتكب هذه الجريمة قد بلغ في الاعتداء الغاية، حيث اقتطع حق امرئ لا تعلق له به، واستخف بحرمة الإسلام، ومع ذلك فلا يجري على ظاهره، وفيه أن اقتطاع الحق يوجب دخول النار، إلا أن يبرئ صاحب الحق أو يعفو عن الحق، والكلام فيما إذا حلف باسم من أسمائه تعالى أو بصفة من صفاته، فإن حلف بغير ذلك فليس بيمين شرعي، وإنما سموه الفقهاء يمينا مجازا، كمن حلف بطلاق أو عتاق أو مشي؛ لأنه إنما علق فعله بشرط فإنه إذا وقع الشرط وقع المشروط

(حم ق 4 عن الأشعث بن قيس ) بن معد يكرب بن معاوية الكندي، اسمه معد يكرب، وفد في قومه [ ص: 121 ] فأسلموا ثم ارتد بعد النبي صلى الله عليه وسلم فأسر فأسلم فزوجه أبو بكر أخته، ثم شهد اليرموك والقادسية، وكان ممن ألزم عليا بالتحكيم ( وابن مسعود ) وهذا الحديث فيه قصة، وذلك أن ابن مسعود لما حدث بذلك في مجلسه دخل الأشعث بن قيس فقال: ما يحدثكم أبو عبد الرحمن ؟ قالوا: كذا وكذا، قال: صدق، في نزلت، كان بيني وبين رجل أرض باليمن، فخاصمته إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم فقال: هل لك بينة؟ قلت: لا، قال: فيمينه، قلت: إذن يحلف، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك - فذكره - فنزلت إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا الآية.



الخدمات العلمية