الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              سابعا: البيمارستانات الشهيرة في بلاد الإسلام

              يقـول الدكتـور « جـوزيف جارلند » في كتابه «قصة الطب»: «... وقد أسس العرب عددا من المستشفيات الممتازة، جعلوها مراكز لدراسة الطب لعلاج المرضى كأحدث المستشفيات. وقد بلغ عدد هـذه المستشفيات أربعة وثلاثين موزعة بين أنحاء الإمبراطورية، وإن كان أهمها مستشفيات بغداد ودمشق وقرطبة والقاهرة» [1]

              البيمارستانات في بلاد الشام

              [2] :

              - أول مستشفى ثابت أقيم في بلاد الشام كان في دمشق، أمر بإقامته حاكم الدولة الأموية الوليد بن عبد الملك . [ ص: 105 ]

              - بيمارستان أنطاكية: بناه المختار بن الحسن بن بطلان، الذي توفي عام 455هـ . - البيمارسـتان الكبـير النـوري: بناه الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي بدمشق . وقد توفي هـذا الملك عام 569هـ ، واشترط أن يخصص للفقراء والمساكين، ولكنه إذا وجد فيه دواء ليس موجودا في البلاد فلا يمنع عن الأغنياء حالة تعذر حصولهم عليه. وقد جاء وصف هـذا البيمارستان في كتاب «رحلة ابن جبير»، قال: « دخلت دمشق عام 580هـ وبها مارستانان: قديم وحديث، والحديث أحفلهما وأكبرهما، والأطباء يبكرون إليه في كل يوم، ويتفقـدون المرضى، ويأمرون بإعـداد ما يصلحهم من الدواء والغذاء. وفي مدينة «حلب»: بنى الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي بيمارستانا داخل باب أنطاكية، ووقف عليه الأموال لنفقات المرضى والأطباء. وقد عمل في هـذا البيمارستان الطبيب ابن بطلان، وهاشم بن محمود ناصر السروجي الحسيني. وفي «القدس»: بنى الملك الناصر صلاح الدين الأيوبي بيمارستانا كبيرا. وقد عمل فيه من الأطباء: يعقوب بن صقلاب المقدس ورشيد الدين أبو المنصـور بن أبي الفضـل بن علي الصـوري. وبيمارسـتان عكا، فقد أمر الناصر صلاح الدين الأيوبي أن تكون أسـقف عكا مستشفى لعلاج المواطنين. [ ص: 106 ]

              وفي شبه الجزيرة العربية

              كان يوجد في مكة بيمارستان يعرف بالبيمارستان المستنصري العباسي، وبيمارستان المدينة، وقد خدم فيه - بأمر الملك الظـاهر بيبرس - الطبيب محي الدين أحمد بن الحسين بن تمام. وبيمارستان الري، وعمل فيه الرازي صاحب كتاب «الحاوي».

              وفي بلاد العراق

              بيمارستان بغداد الذي أمر ببنائه هـارون الرشيد ، وسماه بيمارستان الرشيد، وقد تولى إدارته: ماسويه الخوزي، انتدبه الرشيد لذلك من جنديسابور [3] ، وتولى مراقبته جبرائيل بن بختيشوع، وبيمارستان أبي الحسن علي بن عيسى الجراح؛ وبيمارستان بدر، غلام المعتضد بالله، أنشأه من ماله الخاص، وكذلك علي بن عيسى أنشأه من ماله الخاص.

              وبيمارستان السيدة أم المقتدر التي توفيت عام 321هـ ، وقد تولى رعايته الطبيب سعيد بن سنان بن ثابت.

              والبيمارستان المقتدري، وذلك أن سنان بن ثابت بن قرة أشار على الملك المقتدر بالله أن يبني مستشفى للمرضى وتسمى باسمه. ومن الأطباء الذين عملوا فيه: جبرائيل بن بختيشوع، ويوسف الواسطي. [ ص: 107 ]

              وبيمارستان ابن الفرات، وزير المقتدر. وبيمارستان أبي الحسن بحكم، الذي توفي عام 329هـ . والبيمارستان العضدي: أنشأه عضد الدولة البويهي عام 732هـ ، وعين فيه الأطباء والخدم للعناية بالمرضى. ومن الأطباء الذين عملوا فيه: جبرائيل بن عبد الله بن بختيشـوع، ونظيـف الرومي، وأبو الحسـن علي بن بكس، وأبو يعقوب الأهوازي، وأبو الحسن بن كشكرايا، وأمين الدولة ابن التلميذ، وجمال الدين أبو الغنايم سعيد بن هـبة الله بن أثردي، وأبو الفرج بن الطيب. ومن البيمارستانات بالعراق: البيمارستان الفاروقي، وبيمارستان الموصل الذي بناه الأمير مجاهد فايماز، نائب قلعة الموصل عام 572هـ . وفي بلاد المغرب والأندلس

              كان لوصول التراث العلمي الطبي عند الأمم القديمة إلى الأمة العربية عن طريق الفتوحات الإسلامية أثر كبير في تطور الطب في الدولة الإسلامية، فنبغ عدد كبير من الأطباء في مختلف العصور والبلدان. ففي «قرطبة» ولد رائد علم الجراحة الطبية أبو القاسم خلف بن عباس الزهراوي عام 936م، وكان من أعظم الأطباء الذين ساهموا بعلمهم في النهضة الطبية، واعتبره علماء الشرق والغرب أستاذ علم الجراحة، فهو أول من جعل الجراحة علما حقيقيا. وكان له الفضل في تلخيص جميع المعارف الجراحية في عصره. وفي مدينة « أشبيلية » من بلاد الأندلس برز أبو العلاء زهر بن عبد الملك بن محمد بن مروان بن زهر ، المتوفى عام 525هـ ؛ وفي مراكش نبغ أبو بكر محمد بن مروان بن زهر الحفيد، المتوفى عام 596هـ ؛ وفي القيروان ولد أحمد بن إبراهيم بن أبي خالد الجزار، أحد مفاخر بلاد تونس والمغرب العربي والعالم الإسلامي [ ص: 108 ] وفي هـذه البلدان تتابع إنشاء المستشفيات، وكانت تعرف أيضا «بالبيمارستانات»، وكثر عددها، ويذكر أن قرطبة وحدها كان فيها خمسون مستشفى.

              وبالمغرب الأقصى: بيمارستان مراكش الذي بناه المنصور أبو يوسف، وكان يخرج كل يوم جمعة بعد الصلاة ويذهب إلى المرضى، ويسألهم عن أحوالهم، وما زال مستمرا على هـذا حتى توفي عام 595هـ.

              وفي تونس: بيمارستان «تونس»، ومن الأطباء الذين عملوا فيه الطبيب محمد الشريف الحسني الزكراوي، المتوفى عام 874هـ.

              ومن بيمارستانات بلاد الأندلس، أيضا، بيمارستان «غرناطة» الذي بدأ السلطان محمد الخامس في بنائه عام 767هـ.

              وفي مصر

              بيمارستان زقاق القناديل، من أزقة فسطاط مصر؛ وبيمارستان المعافر، في حي المعافر بالفسطاط قرب القرافية، بناه الفتح بن خان، في أيام الخليفة المتوكل على الله؛ والبيمارستان العتيق [4] ، أنشأه أحمد بن طولون عام 259هـ في مدينة الفسطاط، وسمي أيضا «المارستان الأعلى» واعتبره بعض المؤرخين أول بيمارستان أنشئ في مصر، وأوقف عليه ابن طولون دخل بعض الأبنية منها دوره في الأساكفة، والقيسارية، وسوق الرقيق، [ ص: 109 ] وشرط ألا يعالج فيه «جندي ولا مملوك»، وجعل له حمامين: أحدهما للرجال والآخر للنساء، وأدخل ابن طولون في هـذا البيمارستان ضروبا من النظام جعلته في مستوى أرقى المستشفيات في الوقت الحاضر. فكان إذا دخله مريض تنـزع ثيابه، ويودع ما معه من المال عند أمين البيمارستان، وتقدم له ثياب خاصة من البيمارستان وكان المرضى يتناولون الأدوية والأغذية مجانا، ويظل المريض في البيمارستان ، حتى يتم شفاؤه، فيقدم له فروج ورغيف، فإذا أكلها أذن له بمغادرة البيمارستان، بعد أن ترد إليه ثيابه ونقوده. وبلغ من عناية أحمد بن طولون بهذا البيمارستان أنه كان يتفقده بنفسه يوما في كل أسبوع، كان في الغالب يوم الجمعة، فيطوف على خزائن الأدوية، ويتفقد أعمال الأطباء، ويشرف على سائر المرضى، ويعمل على مواساتهم وإدخال السرور عليهم، بما في ذلك المحبوسين من المجانين، حتى غافله في يوم أحدهم ورماه برمانة كادت تقضي على ابن طولون، فلم يعاود البيمارستان بعد ذلك. وفي بيمارستان ابن طولون قيل:

              ولا تنس مارستانه واتساعه وما فيه من قوامه وكفاته     فللميت المقبور حسن جهازه
              وتوسعة الأرزاق للحول والشهر     ورفقهم بالمعتقين ذوي الفقر
              وللحي رفق في علاج وفي جبر [5]

              [ ص: 110 ] ومن أطباء البيمارستان العتيق هـذا: محمد بن عبدون، وسعيد بن توفيل، وشمس الدين محمد بن عبد الله المصري.

              وفي أثناء وصاية كافور على الأمير أبي القاسم أنوجور الإخشيدي تم بناء المارستان الأسفل، وذلك سنة 346ه / 978م، وحبس عليه قيسارية، ودور، وحوانيت، وزوده بما يلزمه من أدوات وآلات وألحق به ميضأتين، إحداهما برسم تغسيل الموتى، وسقاية، وحمامين.

              ولعل أشهر البيمارستانات في العصرين الأيوبي والمملوكي تلك التي أنشئت في عهد كل من: صلاح الدين الأيوبي ، والمنصور قلاوون ؛ فقد افتتح السلطان صلاح الدين الأيوبي ثلاثة بيمارستانات: الأول في إحدى قاعات القصر الفاطمي الكبير وهو البيمارستان العتيق [6] ، كما أمر بإعادة فتح مارستان الفسطاط القديم، وفي أثناء زيارته للإسكندرية عام 577هـ/ 1182م، أمر بإقامة مدرسـة، وألحق بها بيمارستانا. وتولى الإنفاق على هـذه البيمارستانات ديوان الأحباس «الأوقاف»، على اعتبار أن الرعاية الصحية في ذلك العهد كانت من أعمال البر والخير، أكثر منها من مهام الدولة الحاكمة.

              أما في العصر المملوكي، فمن أشهر البيمارستانات التي أنشئت في ذلك العهد، وذاع صيتها في أنحاء مصر وخارجها، وحظيت برعاية سلاطين المماليك وأمرائهم، كان البيمارستان المنصوري، الذي أنشأه الملك المنصور قلاوون الألفي الصالحي ، [ ص: 111 ] وذلك في موضع قاعة ست الملك، ابنة الملك العزيز بالله الخليفة الفاطمي، التي عرفت فيما بعد باسم دار الأمير فخر الدين جهاركس ، ثم دار موسك، ثم عرفت بالدار القطبية نسبة إلى الملك المفضل قطب الدين أحمد بن الملك العادل أبي بكر بن أيوب ، فقد ظلت في ورثته حتى أخذها السلطان قلاوون من ابنة الملك العادل مؤنسة خاتون، وعوضها عن ذلك بقصر الزمرد برحبة باب العيد، في 18ربيع الأول682هـ / 1283م، ورسم السلطان بعمارتها مارستانا، وقبة ومدرسة، وتولى الإشراف على هـذه العمارة الأمير علم الدين سنجر بن عبد الله الشجاعي ، فأبقى القاعة على حالها، وجعلها مارستانا [7] .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية