الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              رابعا: وقفيات رائعة

              إن ثمة أوقافا على الرعاية الصحية تمثل نظرة إنسانية لم تعرفها حضارة بشرية في التاريخ. منها:

              أ- جاء في بعض الوثائق الوقفية على البيمارستانات تخصيص وقف لوظيفة يقوم بها اثنان من الرجال. وكانت مهمتهما أن يقفا بالقرب من المريض الميئوس من شفائه، ويسأل كل منهما الآخر عن حقيقة علة ذلك المريض دون أن يلحظ أن ذلك جار بينهما عمدا، فيجيبه رفيقه بصوت يسمعه المريض بأنه لا يوجد في علته ما يشغل البال، وأن الطبيب سيأمر بإخراجه من المستشفى، بعد أيام لشفائه التام

              [1] . [ ص: 87 ]

              فهذا الحـديث بين الرجـلين حول علة المريض، يمنحه نشاطا معنويا ونفسيا يتغلب به عـلى علته، وقد يكون سببا في شفائه بإذن الله، وإذا لم تنجح تلك الوسيلة في العلاج ومات المريض، فإنه يموت سعيدا متفائلا مرتاحا.

              ب- وفي تونس، كان هـناك وقف قديم لناحية لم تخطر على بال أحد أن يرصد لها مالا أو يوظف لها وظيفة، وهي: «التسبيح في المئذنة ليلا»، فقد رأى بعض المسلمين أن بعض المرضى لا يستطيعون النوم لما بهم من مرض ووجع، فوقف الواقف مالا أو عقارا أو دارا على المؤذنين الذين يحيون الليل في المئذنة، وهم يسبحون الله، عز وجل ، بأصواتهم الرقيقة الرخيمة، ليتسلى بذلك المرضى والأرقون في بيوتهم، فإنهم حين تنام المدينة، ويهجع الناس، وتسكن الدنيا، يأتي صوت ذلك المؤذن العذب الرخيم من المئذنة رقيقا حلوا مسليا باعثا على النشاط والصبر، وهو يرتل قصائد دينية أو تسبيحات ربانية فيظل المريض يصغي ويسمع ويشارك في التسبيح لنفسه، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم حتى الصباح. وقد يخف ألمه، وينسحب أرقه؛ فينام وما أحلاها من نومة على تراتيل ذلك المؤذن وتسبيحه العظيم.

              ومثل هـذا الوقف الإنسـاني الرائع الغريب، لم تنفرد بـه تونس، وإنما عرف في عدد من بلاد المسلمين



              [2] . [ ص: 88 ]

              التالي السابق


              الخدمات العلمية