الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              ثالثا: إدارة البيمارستانات

              عندما يطلع شخص ما على الموروث الحضاري العربي الإسلامي في المجال الصحي يصاب بصدمة حضارية، قد تقترب من الصدمة الحضارية التي يصاب بها ابن الأدغال عند انتقاله إلى مدينة غربية حديثة. ومقدار هـذه الصدمة يتناسب طرديا مع مدى تأثر هـذا الشخص بالثقافة الغربية ومدى [ ص: 97 ] اعتقاده بأن الحضارة بدأت عند الغرب وانتهت عندهم. وكلما تعمق في إطلاعه على هـذا الموروث، يزداد اندهاشا وانبهارا، وقد يغير كثيرا من مسلماته التي رسخت في ذهنه بتأثير الإعلام إن لم يكن بتأثير الثقافة الغربية في جانبها المغرض. وهذا الشخص بصفته ابن هـذا العصر وابن الثقافة السائدة فيه لا يكفيه أن يعلم فقط الإنجازات والإيجابيات التي توصلت إليها الحضارة العربية الإسلامية، فهو يعلم أن التخطيط والتنظيم أساس الإدارة الفعالة وأساس أي تطور، وهو عندما يرى هـذا التطور الهائل الذي كان سائدا عند العرب في تلك العصور في إنشاء وتعمير وتشغيل البيمارستانات ، يجزم بأن وراء ذلك تخطيطا محكما وتنظيما دقيقا، فيبحث عنه، وقد يطلع على وقفية أحد هـذه البيمارستانات، عندها تزول عنه دهشته؛ لأنه يكون قد وصل إلى أحد أسرار ذلك التطور الرائع الذي وصلت إليه البيمارستانات في تلك الحقبة. وقد تزداد دهشته عندما يطلع على هـذا الرقي في التنظيم الإداري وإجراءات العمل التي وصلوا إليها، خاصة إذا كان هـذا الشخص طبيبا أو له علاقة بالإدارة الصحية [1] .

              فتلك الوقفيات لا نستطيع أن نعتبرها مجرد نصوص جامدة تحصر ما أوقفه صاحب الوقف وسبل صرفها، بل هـي مخطط عمل ومنهاج تنظيم لمشاريع ضخمة لا يترك شيء فيها للصدفة أو الاجتهاد العشوائي، بل كل شاردة وواردة مذكورة فيه، والشخص القارئ لتلك الوقفيات يشعر أثناء [ ص: 98 ]

              قراءتها، إذا تغاضى عن الأسلوب، أنه يقرأ نظم وإجراءات العمل لأحد المستشفيات الحديثة العالمية.

              والوقف ليس تبرعا عاديا، نقدا كان هـذا التبرع أو أعيانا، فهو نظام تبرع وإدارة في الوقت ذاته..!! وقد كان الوقف هـو تقريبا المؤسسة الوحيدة أو من المؤسسات القليلة التي تكفل لها قدر من الاستقرار والاستمرار، بما يجاوز الحياة الفردية للناس في المجتمع [2] .

              أ- ناظر البيمارستان

              الجهة الإدارية العليا المسئولة عن الشئون الإدارية والمالية في البيمارستان هـو ناظر البيمارستان. يرجع إليه جميع الموظفين والعاملين في البيمارستان من قبل صاحب الوقف. وفي البيمارستانات الموقوفة من قبل الخلفاء والسلاطين فإن تعيين الناظر يتم من قبلهم أو من نوابهم في الولايات.

              ولعل الشروط الواجب توافرها في ناظر البيمارستان هـي كما وردت في وقفية البيمارستان المنصوري كما يلي: «يكون المتولي مسلما ظاهر الأمانة، عارفا بأنواع الكتابة، كافيا فيما يتولاه، موصوفا بدينه ودرايته وخبرته» [3] .

              ومن واجبات ناظر البيمارستان

              1- الإشراف على الوقف الموقوف على البيمارستان وتنميته والمحافظة عليه وتحصيل ريعه حسب شروط صاحب الوقف. [ ص: 99 ]

              2- يقوم بالصرف من ريع هـذا الوقف على مصالح البيمارستان المختلفة حسب شروط الواقف.

              3- يقوم بتعيين الإداريين المساعدين له في إدارة البيمارستان من خازن وأمين مخزن ومستخدمين ومباشرين وغيرهم.

              4- يقوم بتنصيب الأطباء، وكذلك الصيادلة والقومة والفراشين والطباخـين وغيرها من المهن اللازمة للعناية بالمرضى ومعالجتهم.. ورد في وقفية الأمير عبد الرحمن كتخـدا ما يلي: «وللناظر أن ينصب من الأطباء المسلمين الطبائعيين والكحالين والجرائحيين بحسب ما تقتضيه الزيادة وحاجة المرضى» [4] .

              5- على الناظر أن يراعي شروط صاحب الوقف المذكورة في الوقفية أثناء إدارته للبيمارستان ولا يحيد عنها.

              6- على ناظر البيمارستان أن يضبط حسابات ومصروفات البيمارستان وأن يقدم كشفا بذلك إلى من يهمه الأمر.

              7- على ناظر البيمارستان أن يتفقد سير العمل في البيمارستان بنفسه وعليه معاقبة المقصر إذ لزم الأمر. [ ص: 100 ]

              ب- الوظائف الإدارية والمالية المساعدة

              1- المساعدون للشئون الإدارية: وهم الموظفون الذين يقومون بمساعدة الناظر في إدارته للبيمارستان من مباشرين وأمناء وخزان، أي الذين يقومون بوظائف البيمارستان ، وابتياع ما يحتاج إليه من الأصناف، وضبط ما يدخل إلى المكان وما يخرج منه، بدون أن تكون لهم صلاحية دفع المستحـق مباشرة إلى المورد بل يحيـلونه إلى ديوان صندوق المستخرج، كما يقوم المباشرون الإداريون بترتيب رواتب الموظفين، يكتبها العامل ويوقع عليها الشهود ثم تصادق من ناظر البيمارستان، وترسل إلى ديوان صندوق المستخرج لصرفها [5] .

              2- المساعدون للشئون المالية: وهم الموظفون الذين يقومون بمساعدة ناظر البيمارستان في الشئون المالية في استخراج الأموال ومحاسبة المستأجرين، وصرف الأموال... وغيرها.

              ج- الوظائف المهنية المساندة

              1- الصيادلة: الذين يصنعون الأدوية للمرضى في البيمارستان من طباخي الشراب وصانعي المعاجين، والأكحال والمسهلات المفردة والمركبة.

              2- القومة والفراشون: الذين يقومون برعاية المرضى وخدمتهم وتقديم العلاج الموصوف من قبل الطبيب. [ ص: 101 ]

              3- المعماريون: وهم بالتعبير الحديث «مسئولو الصيانة» وعليهم ابتياع الأصناف واستعمال الصباغ ومرمة الأوقاف وغير ذلك مما يدخل في وظيفتهم.

              4- وظائف أخرى: مثل الإمام ومقرئ القرآن والبواب والطباخ والفحام والخياط وغيرها.

              د- وظائف الرقابة الإدارية والمالية

              وهذه الوظائف على شاغليها مراقبة الأمور الإدارية والمالية في البيمارستان ومدى مطابقة الإجراءات لشروط الواقف [6]

              التالي السابق


              الخدمات العلمية