الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              الفصل الأول

              الوقف وصناعة الحضارة الإسلامية

              تمهيد

              إن تشريع الوقف يدل دلالة لا مراء فيها على أن صلة العقيدة أقوى وأمتن من كل صلات الجنس واللغة والموطن، وأن تلك الصلة مناط الحضارة الإسلامية التي كان لها الفضل الأكبر في توجيه الحضارة الإنسانية نحو التطوير والتجديد، والتحرر من التخلف والجمود، وإن لم تنتفع هـذه الحضارة، وبخاصة في الغرب بكل مقومات أو دعائم الحضارة الإسلامية



              [1] .

              وإذا كانت صناعة الحضارة الإسلامية قد مثلت ملحمة عظمى، نهضت بها الأمة على امتداد قرون عديدة، منذ أن خرجت هـذه الأمة من بين دفتي القرآن الكريم، صانع عقيدتها وشريعتها، ومؤلف وحدتها، وموضوع علوم شريعتها، ومصدر الصبغة الإلهية لعلوم حضارتها، وناسج المعايير التي عرضت عليها مواريث الأمم التي سبقتها وعاصرتها.

              وإذا كان هـذا هـو شأن «الأمة» في صناعة الحضارة، فإن « الوقف » قد كان المؤسسة الأم التي تولت صناعة حضارة أمتنا لهذه الحضارة الإسلامية. ولم تكن «الدولة» ولا «الخزائن السلطانية» هـي التي صنعت أو مولت هـذه الملحمة الحضارية الكبرى. [ ص: 37 ]

              وكما رجح الإسلام - كدين للجماعة - كفة «الأمة» على «الدولة» عندما تمايزت مناهج التوجهات لدى كل منهما، كذلك رجح الإسلام، بنظرية الاستخلاف فيه، نهوض «الوقف» بدور المؤسسة الأم في تمويل صناعة الأمة لحضارتها



              [2] .

              لكن أما وقد جاءت صناعة الحضارة الإسلامية بوساطة الأمة، فلقد اقتضى تمويل هـذه الصناعة قيام مؤسسة « التمويل الاجتماعي » و «الأهلى» و «الطوعى»، التي تحرر المال من استبداد الفرد - فضلا عن الدولة - وترده خالصا لملكية الله - المالك الحقيقى للأموال والثروات - ليكون وقفا على العمل الحضاري العام، وليمثل النموذج الحقيقي للملكية العامة، التي لم تصل إليها الاشتراكيات الغربية التي انتهت إلى «رأسمالية الدولة.. أو الحزب.. أو البيروقراطية» البعيدة عن المعنى الحقيقي للملكية العامة..!!

              وعندما مكنت الأوقاف «الأمة» من صناعة الحضارة، فإنها قد مكنتها من أن تظل كفتها هـي الراجحة على كفة «الدولة»، على امتداد تاريخ الإسلام، الأمر الذي ضمن لحضارتنا الإسلامية في الازدهار عمرا لم تماثلها فيه حضارة من الحضارات الأخرى..!!

              بهذه المهام العظمى نهض تمويل الأوقاف لصناعة الحضارة في تاريخ الإسلام. وما كان لذلك أن يحدث لو لم تمثل الأوقاف - في تاريخنا الحضاري - المؤسسة الأم، التي ضمنت قيام واستمرار وفعالية كل المؤسسات التي جسدت في تاريخنا معالم حضارة الإسلام



              [3] . [ ص: 38 ]

              التالي السابق


              الخدمات العلمية