الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              خامسا: وصول الحضارة الطبية الإسلامية إلى أوروبا

              لقد نشأ في الأندلس وفي صقلية عدد من العلماء في ظل الإسلام يعرفون العربية واللاتينية، وقام عدد منهم بترجمة العلوم الإسلامية إلى اللغة اللاتينية التي أصبحت لغة العلم في أوروبا قرونا عديدة، وأشهر هـؤلاء المترجمين قسطنطين الإفريقي، الذي ولد عام «1020م» وجاب البلاد العربية وترجم العديد من الكتب الطبية العربية إلى اللغة العبرية. [ ص: 151 ]

              وتبعه في الترجمة تلميذه يوحنا أفليطس، المولود عام (1040م) وفي عام (1085م) سقطت طليطلة ، التي كانت مركزا من مراكز التعليم الإسلامي، في يد الأسبان.

              وكان من أعظم المترجمين من اللغة العربية إلى اللاتينية «جيراد» من كريمونة في لومبارديه بإيطاليا، المولود عام (1114م) ، ولما حضر إلى طليطلة وشاهد تقدم العلوم بتأثير المسلمين، أعجب بما رآه وعكف على دراسة اللغة العربية ثم أخذ يترجم إلى اللاتينية، واستعان بالكثير من المواطنين العرب، ولذلك ترجم الكثير من الكتب، منها: كتاب «القانون في الطب» لابن سينا ، وكتاب «الحاوي» للرازي ، والمقالة الثلاثون من كتاب «التصريف» للزهراوي .

              ومن العلماء الأطباء الذين ترجموا من التراث العربي وتأثروا به في أبحاثهم وجعلوه مرجعا أساسيا لهم في أبحاثهم الطبية:

              - « روجر رولاند »، وكابيللوتي ، ويتضح من دراسة مؤلفاتهما أنهما نقلا الكثير من ترجمات قسطنطين الأفريقي ومن كتاب «التصريف» للزهراوي .

              - «روجر بيكون» ( 1214 ـ 1294م ) الذي درس في جامعة أكسفورد وباريس، وتعلم العربية، وحث علماء الغرب على دراستها.

              - و «بطرس» الأسباني ، وهو طبيب تولى بابا روما وسمي «يوحنا الواحد والعشرين» عام 1276م. [ ص: 152 ]

              - و «أرنولد» (1235-1311م) ، المولود في مقاطعة قرب أسبانيا، وخدم الكثير من الملوك بصناعة الطب، وتأثر كثيرا بالمؤلفات العربية.

              وفي أوائل القرن الثالث عشر الميلادي ظهر عدد كبير من علماء الغرب الذين ترجموا من العربية إلى اللاتينية منهم: « ميخائيل سكوت ، وهرمان الألمـاني ، وألفرد الإنجـليزي » الذي زار الشام وجنوب إيطـاليا وتعلم اللغة العربية.

              وقد تناقلت أيدي العلماء هـذه الترجمات بالنسخ والنقل، حتى ظهور الطباعة في النصف الثاني من القرن الخامس عشر الميلادي، فطبعت هـذه التراجم، واستفاد منها أطباء عصر النهضة في أوروبا.

              ويقول العلامة الفرنسي جوستاف لوبون : «إننا مهما قلبنا أوجه النظر لا نستطيع أن نذكر قبل القرن الخامس عشر الميلادي عالما أوروبيا ابتكر شيئا غير استنـساخ كتب العرب، فروجر بيكون ، وليونارد والبيزي ، وأرنولد الفيلانوفي ، وريمـوندلالي ، وغيرهم من أسـاتذة القرون الوسطى لم يكونوا أكثر من مجرد تلاميذ للعرب أو ناقلين عنهم، وكان تأثير العرب في الغرب عظيما للغاية، فأوروبا مدينة للعرب بحضارتها، ونحن لا نستطيع أن ندرك تأثير العرب في الغرب إلا إذا تصورنا حالة أوروبا عندما أدخل العرب الحضارة إليها»



              [1] . [ ص: 153 ]

              التالي السابق


              الخدمات العلمية