الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( فصل ) القسم الثاني من المخصص المتصل

( الشرط ) ( ويختص ) الشرط ( اللغوي منه ) أي من الشرط المطلق ( بكونه ) أي بكون الشرط اللغوي ( مخصصا ) قال البرماوي ، في شرح منظومته : الشرط ثلاثة أقسام ، ثم قال : الثاني اللغوي . والمراد به صيغ التعليق " بإن " ونحوها . وهو ما يذكر في أصول الفقه في المخصصات للعموم نحو " قوله تعالى { وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن } . ومنه قولهم في الفقه : العتق المعلق على شرط . والطلاق المعلق على شرط . وهذا - كما قال القرافي وغيره - يرجع إلى كونه سببا ، حتى يلزم من وجوده الوجود ومن عدمه العدم لذاته . ووهم من فسره هناك بتفسير الشرط المقابل للسبب والمانع ، كما وقع لكثير من الأصوليين كالطوفي فجعل المخصص هنا من الشرط اللغوي . ووهم من قال غيره . قال في شرح التحرير : وظاهر كلام ابن قاضي الجبل وابن مفلح : أن المحدود في المخصصات يشمل الشروط الثلاثة فإن قال ابن قاضي الجبل قال - لما ذكر حد الموفق والغزالي - ولا يمنع لزوم الدور بحمل الشرط على اللغوي ; إذ المحدود هو الشرط الذي هو أعم من العقلي والشرعي واللغوي والعادي . [ ص: 408 ]

قلت : ومما يدل على أن المراد الشرط اللغوي : تمثيلهم بذلك انتهى ( وهو ) أي الشرط ( مخرج ما لولاه ) أي لولا الشرط ( لدخل ) ذلك المخرج . نحو أكرم بني تميم إن دخلوا . فيقصره الشرط على من دخل ( ويتحد ) الشرط ، مثل إن دخل زيد الدار فأكرمه ، أو فأكرمه وأعطه ، أو فأكرمه أو أعطه ( ويتعدد ) الشرط ( على الجمع ) مثل إن دخل زيد الدار والسوق ( و ) يتعدد الشرط على ( البدل ) مثل إن دخل زيد الدار أو السوق . فهذه ( ثلاثة أقسام كل منها ) أي من الأقسام ( مع الجزاء كذلك ) أي كالشرط ، يعني أن الجزاء إما أن يكون متحدا ، أو متعددا على سبيل الجمع ، أو متعددا على سبيل البدل . كما مثلنا . فتكون الأقسام تسعة من ضرب ثلاثة في ثلاثة ( ويتقدم ) الشرط ( على الجزاء لفظا ) أي في اللفظ ( لتقدمه ) أي تقدم الشرط على الجزاء ( في الوجود طبعا ) لأن الجزاء إنما يكون بعد شيء يجازى عليه ( وما ظاهره ) أي تركيب ظاهره ( أنه ) أي أن الشرط ( مؤخر ) فيه عن الجزاء ( الجزاء فيه محذوف قام مقامه . ودل عليه ما تقدم ) فقول القائل : أكرمتك إن دخلت الدار .

خبر . والجزاء محذوف مراعاة لتقدم الشرط . كتقدم الاستفهام والقسم . قال ابن مالك في التسهيل : لأداة الشرط صدر الكلام . فإن تقدم عليها سببه فالجواب معنى . فهو دليل الجواب وليس إياه ، خلافا للكوفيين والمبرد وأبي زيد .

وقال ابن الحاجب في مختصره : إن عنوا أن المقدم ليس بجزاء للشرط في اللفظ وإن عنوا أنه ليس بجزاء للشرط لا لفظا ولا معنى . فهو عناد ، لأن الإكرام يتوقف على الدخول ، فيتأخر عنه من حيث المعنى . فيكون جزاء له معنى . قال : والحق أنه لما كان المتقدم - أي أكرمتك - جملة مستقلة من حيث اللفظ دون المعنى : روعيت الشائبتان فيه ، أي شائبة الاستقلال من حيث اللفظ ، فحكم بكونه جزاء ، وشائبة عدم الاستقلال من حيث المعنى ، فحكم بأن الجزاء محذوف ، لكونه مذكورا من حيث المعنى . انتهى . ( ويصح إخراج الأكثر ) من الباقي ( به ) أي [ ص: 409 ] بالشرط . قال في المحصول : اتفقوا على أنه يحسن التقييد بشرط أن يكون الخارج منه أكثر من الباقي ، وإن اختلفوا فيه في الاستثناء انتهى . فلو قال : أكرم بني تميم إن كانوا علماء ، خرج جهالهم ولو أنهم كلهم ( وهو ) أي الشرط ( في اتصال بمشروط ، و ) في ( تعقب جمل متعاطفة : كاستثناء ) يعني أنه يشترط اتصال الشرط . بالمشروط ، كما يشترط اتصال الاستثناء بالمستثنى منه ، لكن قوله " إن شاء الله " يسمى استثناء ، وأن الشرط إذا تعقب جملا متعاطفة عاد إلى الكل عند الأربعة وغيرهم ، وحكى الغزالي عدم عوده للجميع عن الأشعرية . وعلى كل حال هو أولى بالعود إلى الكل من الاستثناء ، بدليل موافقة أبي حنيفة عليه .

مثاله : أكرم قريشا وأعط تميما إن نزلوا بكذا . ( ويحصل معلق عليه ) أي على شرط ( عقبه ) أي عقب وجود الشرط . ( و ) يحصل ( عقد ) أي ترتب أثره من بيع ونكاح ونحوهما ( عقب صيغة ) ذلك العقد . قال ابن قاضي الجبل : هل يحصل الشرط مع المشروط أو بعده ؟ وكذلك قولك : بعتك أو وهبتك ، هل يحصل مع الكاف أو بعدها ؟ على قولين . الأكثرون من المتكلمين على أنها معها . وهو اختيار ابن عبد السلام . والثاني بعده ، وهو الصحيح . قاس الأولون الشرط على العلة العقلية . والتحقيق المنع فيهما ، ولهذا يدخل في كسرته فانكسر إلى غير ذلك . قال شارح التحرير : قلت وما صححه هو ظاهر كلام الأصحاب في تعليق الطلاق بالشرط .

التالي السابق


الخدمات العلمية