الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
النوع الثالث مما يقع فيه الترجيح بين منقولين ( المدلول ) أي : ما دل عليه اللفظ من الأحكام الخمسة التي هي : الإباحة والكراهة ، والحظر والندب والوجوب إذا علمت ذلك . فإنه حينئذ ( يرجح على إباحة وكراهة وندب : حظر ) يعني أنه يرجح ما مدلوله الحظر على ما مدلوله الإباحة ; لأن فعل الحظر يستلزم مفسدة ، بخلاف الإباحة ، لأنه لا يتعلق بفعلها ، ولا تركها مصلحة ، ولا مفسدة ، وهذا هو الصحيح ، وعليه أحمد وأصحابه والكرخي والرازي ، وذكره الآمدي عن الأكثر : لأنه أحوط ، واستدل بتحريم متولد بين مأكول وغيره . وقال ابن حمدان وجمع : ترجح الإباحة على [ ص: 651 ] الحظر ، وقيل : يستويان . ويسقطان ويرجح أيضا ما مدلوله الحظر على ما مدلوله الكراهة ; لقوله صلى الله عليه وسلم { ما اجتمع الحلال والحرام إلا غلب الحرام } لأنه أحوط ويرجح أيضا ما مدلوله الحظر على ما مدلوله الندب ; لأن الندب لتحصيل المصلحة والحظر لدفع المفسدة ، ودفع المفسدة أهم من تحصيل المصلحة في نظر العقلاء .

ويرجح أيضا : الحظر على الوجوب . قال ابن مفلح لأن إفضاء ، الحرمة إلى مقصودها أتم ، لحصوله بالترك . فصده أولى ، بخلاف الواجب ( وعلى إباحة ندب ) يعني : أنه يرجح ما مدلوله الندب على ما مدلوله الإباحة عند الأكثر ( وعليه وجوب ، وكراهة ) يعني : أنه يرجح ما مدلوله وجوب أو كراهة على ما مدلوله الندب ; لأن ترجيحهما عليه أحوط في العمل ( وعلى نفي : إثبات ) يعني : أنه يقدم ما مدلوله الإثبات على ما مدلوله النفي عند أحمد والشافعي وأصحابهما . قال البرماوي : يرجح عند الفقهاء . كدخوله صلى الله عليه وسلم البيت . قال بلال " صلى فيه " وقال أسامة " لم يصل " وكذا ابن عباس ، فأخذ بقول بلال ، وتسن الصلاة في البيت المشرف ( وإن استند النفي إلى علم بالعدم ) لعلمه بجهات إثباته ( فسواء ) أي : فيكون الإثبات والنفي في هذه الصورة سواء .

قاله الفخر إسماعيل ، وتبعه الطوفي في مختصره ، وقال ابن مفلح : إنه المراد ، ومعنى استناد النفي إلى علم بالعدم أن يقول الراوي " أعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يصل في البيت ، لأني كنت معه فيه . ولم يغب عن نظري طرفة عين فيه . ولم أره صلى فيه " انتهى أو قال " أخبرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لم يصل فيه " أو قال إنسان : أعلم أن فلانا لم يقتل زيدا ; لأني رأيت زيدا حيا بعد موت فلان ، فمثل هذا يقبل فيه النفي ، لاستناده إلى مدرك علمي ، فيستوي هو ، وإثبات المثبت ، فيتعارضان ويطلب المرجح من خارج . وكذا حكم : كل شهادة نافية استندت إلى علم بالنفي ، فإنها تعارض المثبتة . لأنهما في الحقيقة مثبتتان ; لأن إحداهما تثبت المشهود به والأخرى : تثبت العلم بعدمه .

وكذا كل حكم للشهادة من غير معارض : تقبل في النفي إذا كان النفي محصورا . فقولهم : لا تقبل الشهادة بالنفي مرادهم : إذا لم تكن [ ص: 652 ] محصورة ، فإن كانت محصورة قبلت ، قاله الأصحاب وقد ذكر ذلك الأصحاب في الشهادة في الإعسار ، وفي حصر الإرث في فلان ، وقال القاضي في الخلاف ، وأبو الخطاب في الانتصار ، في حديث ابن مسعود ليلة الجن : النفي أولى ، واختاره الآمدي . ( وكذا ) أي : وكالنفي مع الإثبات في المدلولين ( العلتان ) يعني أنه إذا كانت إحدى العلتين مثبتة . والأخرى نافية : قدمت المثبتة . وقال القاضي في الخلاف عن نفي صلاته على شهداء أحد : الزيادة معه هنا ; لأن الأصل غسل الميت والصلاة عليه ، ثم سواء .

التالي السابق


الخدمات العلمية