الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ولما كان العيب عرضا لا يقوم بنفسه بل بغيره أشار إلى طريق معرفة قيمته بقوله ( وقوما ) أي القديم والحادث ( بتقويم ) أي بسبب تقويم ( المبيع ) صحيحا ومعيبا فاستفيد منه ثلاث تقويمات أي حيث اختار الرد فيقوم صحيحا بعشرة مثلا وبالقديم بثمانية وبالحادث معه بستة ، فإن رد دفع خمس الثمن ، وإن تماسك أخذ خمسه ، فإن اختار التماسك لم يحتج إلا لتقويمتين [ ص: 127 ] صحيحا ومعيبا بالقديم فقط ليعلم النقص ليرجع بأرشه فتأمل . وتعتبر التقويمات ( يوم ضمنه المشتري ) لا يوم العقد ولا يوم الحكم ولا القديم يوم ضمان المشتري والحادث يوم الحكم خلافا لزاعميها ( وله ) أي للمشتري ( إن زاد ) المبيع المعيب ولم يحدث عنده عيب ( بكصبغ ) بكسر الصاد ما يصبغ به وبفتحها المصدر ، ولو بإلقاء ريح في الصبغ وأدخلت الكاف الخياطة والكمد ، وكل ما لا ينفصل عنه ، أو ينفصل بفساد ( أن ) يتماسك ويأخذ أرش القديم ، أو ( يرد ويشترك ) في الثوب ( بما زاد ) بصبغه على قيمته غير مصبوغ معيبا فإذا قيل : قيمته معيبا بلا صبغ عشرون وبالصبغ خمسة وعشرون فقد زاده الصبغ الخمس فيكون شريكا به وسواء دلس أم لا والتقويم ( يوم البيع على الأظهر ) صوابه على الأرجح قال بعضهم والظاهر أن المراد بيوم البيع يوم ضمان المشتري ( و ) إن حدث عنده مع الزيادة عيب ( جبر به ) أي بالزائد العيب ( الحادث ) عند المشتري من تقطيع ، أو غيره ، فإن ساواه فواضح أنه لا شيء له إن تماسك ولا شيء عليه إن رد ، وإن نقص غرم تمام قيمته معيبا إن رده ، فإن تماسك أخذ أرش القديم فلو كانت قيمته سالما مائة وبالقديم تسعين وبالحادث ثمانين وبالزيادة تسعين لساوى الزائد النقص ، فإن كانت خمسة وثمانين غرم إن رد نصف [ ص: 128 ] عشر الثمن وخمسة وتسعين شارك بمثل ذلك ( وفرق ) بالبناء للمفعول مخففا ( بين ) بائع ( مدلس وغيره إن نقص ) المبيع عند المشتري بسبب ما فعله فيه كصبغه صبغا لا يصبغ به مثله ، فإن كان البائع مدلسا ورده المشتري فلا أرش عليه للنقص ، وإن تماسك أخذ أرش القديم ، وإن كان غير مدلس ، فإن رد أعطي أرش الحادث ، وإن تماسك أخذ أرش القديم ( كهلاكه ) ، أو قطع يده مثلا ( من ) عيب ( التدليس ) وغيره ، فإن أبق ، أو سرق فهلك بسبب ذلك ، أو قطعت يده ، فإن كان بائعه مدلسا فلا شيء على المشتري ويرجع بجميع الثمن ، وإن كان غير مدلس فمن المشتري ، ولو قال بدل من التدليس من العيب لكان أخصر وأبين ولم يحوج إلى تقدير عطف ومعطوف ( وأخذه ) أي أخذ البائع المبيع المعيب ( منه ) أي من المشتري ( بأكثر ) من ثمنه الأول كأن يبيعه له بعشرة ويأخذ منه باثني عشر ، فإن كان البائع مدلسا فلا رجوع له بشيء ، وإن كان غير مدلس رده ، ثم رد عليه كما سبق في قوله ، أو بأكثر إن دلس إلخ ( وتبرى مما لم يعلم ) في زعمه بأن قال لا أعلم به عيبا ، فإن كان كاذبا فمدلس ، وإلا فلا ويعلم كذبه بإقراره ، أو بالبينة فالمدلس لا تنفعه البراءة وغيره تنفعه أي في الرقيق الذي طالت إقامته عنده ، ولو حذف قوله مما لم يعلم لكان أحسن ، أو يجاب أيضا بأن في الكلام حذف الواو مع ما عطفت أي ومما علم ، وإلا فالتبري مما لم يعلم لا يتصور فيه تدليس حتى يحتاج للفرق . .

التالي السابق


( قوله ومعيبا ) أي بالعيب القديم ، ثم بالعيبين معا ، وما ذكره من أنه يقوم ثلاث تقويمات إذا أراد الرد هو ما قاله عياض ، وهو الصواب خلافا لقول الباجي أنه إذا أراد الرد إنما يقوم تقويمتين إحداهما تقويمه بالعيب القديم والأخرى بالحادث عند المشتري وأشعر كلام المصنف أن التخيير على الوجه المذكور قبل التقويم ، وهو ظاهر المدونة كما في عبق وفي المتيطي نقلا عن بعض القرويين أنه إنما يخير المبتاع بعد التقويم والمعرفة بالعيب القديم وما نقصه العيب الحادث ، وأما قبل ذلك فلا يجوز ; لأن المبتاع يدخل في أمر مجهول لا يعلم مقداره ا هـ . ولعل ثمرة هذا الخلاف أنه إذا التزم شيئا قبل التقويم هل يلزمه أم لا ( قوله وبالتقديم بثمانية وبالحادث معه ) أي مع القديم بستة فيكون كل من القديم والحادث قد نقصه خمس القيمة ( قوله دفع الثمن ) أي سواء كان قليلا ، أو كثيرا فإذا كان الثمن عشرين وأراد الرد دفع أربعة أرش الحادث ; لأن الحادث قد نقص خمس القيمة فيرد أربعة خمس الثمن فالقيمة ميزان للرجوع في الثمن ( قوله ، وإن تماسك أخذ خمسه ) أي [ ص: 127 ] خمس الثمن أرش العيب القديم .

( قوله صحيحا ) أي بعشرة مثلا وقوله ومعيبا بالقديم أي بثمانية ( قوله ليعلم إلخ ) أي ففي المثال المذكور العيب القديم نقص قيمته صحيحا الخمس فيرجع على البائع بخمس الثمن وقوله ليرجع بأرشه أي إن كان دفع الثمن أي ، أو يسقط عنه إن كان لم يدفعه ( قوله فتأمل ) أمر بالتأمل لدفع ما يرد على ما ذكر من أنه إذا اختار الرد فإنه يقوم ثلاث تقويمات وحاصله ما الموجب لتقويمه صحيحا وهلا اكتفى بتقويمه بالقديم والحادث فقط ، وحاصل الجواب أنه إنما قوم صحيحا لأجل الرفق بالمشتري وذلك ; لأنه إذا كانت قيمته صحيحا عشرة وبالقديم ثمانية وبالحادث ستة فالحادث نقصه اثنين فلو نسبت للثمانية لزمه أن يدفع ربع الثمن ، وإن نسبناهما للعشرة كانا خمسا فلزمه خمس الثمن ( قوله يوم ضمنه المشتري ) وضمان المشتري يختلف بحسب البيع والمبيع فإذا كان البيع فاسدا كان ضمانه بالقبض ، وإن كان صحيحا فبالعقد إلا إذا كان فيه حق توفية ، أو غائبا فبالقبض ، وإن كان فيه مواضعة فبرؤية الدم ، وإن كان ثمارا فبالأمن من الجائحة ، وإن كان محبوسا للثمن فبدفعه ، وإن كان محبوسا للإشهاد فبالإشهاد ( قوله إن زاد المبيع المعيب ) أي عنده قبل اطلاعه على العيب وقوله ولم يحدث إلخ أي ، وإلا فهو قوله الآتي وجبر به الحادث ( قوله بكسر الصاد ما يصبغ به ) أي ، وهو مراد المصنف لأجل أن يشمل إلقاء الريح واختار ابن عاشر ضبطه بفتح الصاد أي ، وإن زاد بسبب كصبغ وحينئذ يكون موافقا لكلام المدونة ، وهو ، وإن كان لا يشمل إلقاء الريح ; لأن المتبادر من المصدر الفعل الاختياري لكنه داخل تحت الكاف ( قوله ، أو ينفصل بفساد ) أي ، وأما ما ينفصل عنه بغير فساد فكالعدم فيكون بمثابة ما إذا لم يحدث شيء ( قوله ، أو يرد ) أي ويأخذ جميع ثمنه وقوله يشترك بما زاد أي بقدر ما زاد أي إن امتنع البائع من دفع ما زاده الصبغ ( قوله معيبا ) حال من ضمير قيمته وإنما نظر لقيمته معيبا ولقيمته بالزيادة ولم ينظر لقيمته سليما ; لأن الشركة بما زاده الصبغ عن قيمته يوم خروجه من يد بائعه ، وهو لم يخرج من يد بائعه إلا معيبا .

( قوله وسواء دلس ) أي البائع على المشتري ( قوله والتقويم يوم البيع ) أي واعتبار قيمته معيبا ، وزيادة الصبغ يوم البيع وأشار الشارح بتقدير التقويم إلى أن قوله يوم البيع خبر لمبتدأ محذوف لا متعلق بزاد ; لأن الزيادة ليس بلازم أن تكون يوم البيع نعم اعتبار قيمتها يوم البيع ( قوله يوم ضمان المشتري ) أي الذي هو أعم من يوم البيع وحينئذ فالمصنف أطلق الخاص وأراد العام ( قوله ، وإن حدث عنده ) أي عند المشتري مع الزيادة أي بكصبغ ( قوله ، فإن ساواه ) أي ، فإن ساوت قيمة الزائد أرش الحادث الذي حدث عنده فواضح أنه لا شيء له إلخ تبع في ذلك عج وفيه نظر بل المنصوص كما في المواق عن ابن يونس أنه إن تماسك فله أخذ أرش القديم ، وإن رد فلا شيء عليه ، وهو الذي يفيده كلام التوضيح هنا وكلام ابن عرفة عن اللخمي ا هـ . بن والحاصل أن الصواب أنه إذا ساوت قيمة الزائد أرش العيب الحادث عنده وتماسك به فإنه يرجع بأرش قديم لتجري حالة المساواة والزيادة والنقص على وتيرة واحدة بل ربما كانت حالة المساواة ، أولى بذلك من حالة الزيادة المذكورة بعد وحينئذ فمعنى الجبر المحاسبة بما زاد من أرش الحادث لا تنزيله منزلة العدم من كل وجه ( قوله ، وإن نقص ) أي قيمة الزائد عن أرش ما حدث عنده أي ، وأما إن زادت قيمة ما زاده على أرش ما حدث عنده فله أن يرده ويشترك بما زاد وله أن يتماسك ويأخذ أرش القديم ( قوله لساوى الزائد النقص ) أي لساوى قيمة الزائد أرش النقص ، فإن رد فلا شيء عليه ، وإن تماسك ففيه ما علمت من كلام عج وبن ( قوله ، فإن كان خمسة وثمانين ) أي ، فإن كان قيمته بالزيادة خمسة وثمانين ( قوله غرم إن رد نصف [ ص: 128 ] عشر الثمن ) أي ، وإن تماسك أخذ أرش القديم ، وهو عشر الثمن ( قوله وخمسة وتسعين ) أي ، وإن كانت قيمته بالزيادة خمسة وتسعين ( قوله بمثل ذلك ) أي بمثل نصف عشر الثمن إن رد ، وإن تماسك أخذ أرش القديم ( قوله مخففا ) أي ; لأن التفريق هنا في المعاني ، وأما في الأجسام فهو بالتشديد وهذا في الغالب ومن غير الغالب بعكس ما ذكر .

( قوله وفرق بين مدلس إلخ ) هذا مفهوم قوله ، أو زاد بكصبغ أي ، وإن نقص بكصبغ فرق بين مدلس وغيره كما يدل عليه تقرير التوضيح وبه قرر عبق ، أولا وهو ظاهر ولا يصح تعميمه في كل نقص حصل بسبب فعل المشتري ; لأن كلامه هنا إنما هو في معرض الكلام على الزيادة وتفصيلها وسيأتي يتكلم على التغير الحادث بسبب فعله انظر طفى و ح ا هـ . بن .

( قوله بين بائع مدلس ) أي ، وهو العالم بالعيب وكتمه حين البيع وغيره هو الذي لم يعلم بالعيب أصلا ، أو علم به ونسيه حين البيع ( قوله لا يصبغ به مثله ) إنما قال ذلك لأجل أن يصح النقص بسبب الصبغ وسواء غرم لذلك الصبغ ثمنا أم لا على مذهب ابن القاسم ( قوله للنقص ) أي الحاصل بسبب الصبغ ( قوله ، وإن كان غير مدلس ) أي ، فإن رد أعطى أرش الحادث ، وإن تماسك أخذ أرش القديم هذا قول ابن القاسم وقال أصبغ وابن المواز إن تماسك لا شيء له إن كان الأمر الذي حصل به النقص عنده كالصبغ لم يغرم له ثمنا ، وإلا كان له الأرش وشهره ابن رشد وكلاهما له وجه من النظر انظر ح ، وعلى الثاني اقتصر المواق عن اللخمي ا هـ . بن ( قوله كهلاكه ) أي كما فرق بين المدلس وغيره في هلاك المبيع وقطعه من أجل التدليس واعترض بأنه إذا كان الهلاك بسبب التدليس فقط فليس هناك غير مدلس حتى يفرق بينهما وأجاب الشارح بأن في الكلام حذف الواو مع ما عطفت واعلم أن ما هلك بسماوي في زمن عيب التدليس فهو بمثابة ما هلك بعيب التدليس وليس هذا داخلا في الغير ويدل لهذا ما يأتي ، واعلم أن البائع محمول على عدم التدليس حتى يثبت ذلك ، أو يقر به كما قال ابن رشد ويصدق المشتري في دعواه إباقه بيمين كما هو رواية ابن القاسم وأشهب عن مالك كما في المتيطية ( قوله وأخذ منه بأكثر ) أي وفرق بين مدلس وغيره في أخذ البائع المبيع المعيب من المشتري بأكثر من ثمنه الأول وهذه المسألة قد تقدمت في قوله ، أو بأكثر إن دلس ، وإلا رد ، ثم رد عليه أعادها المصنف لجمع النظائر ( قوله وتبرى مما لم يعلم ) أي وفرق بين مدلس وغيره في صورة البيع على التبري من عيب لم يعلم به في زعمه ( قوله لكان أحسن ) أي ; لأن التبري المطلق هو الذي يفترق فيه المدلس من غيره ، وأما إذا تبرأ مما لم يعلم فلا يتصور فيه تدليس ( قوله ، أو يجاب ) عطف على قوله في زعمه . .




الخدمات العلمية