الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( و ) إذا فلس مكتري دابة أو أرض أو دور قبل دفع الكراء ( أخذ المكري ) وجيبة ( دابته وأرضه ) ودوره من المكرى [ ص: 288 ] وفلس قبل استيفائه منفعة ما ذكر وفسخ فيما بقي ويحاصص بكراء ما مضى أي إن شاء وإن شاء تركه وحاصص لحلوله بالفلس بجميع الكراء ، وأما في الموت فيتعين الترك والمحاصة بجميع الكراء حالا كما تقدم ، وبهذا يعلم أنه لا منافاة بين ما هنا وبين ما مر في قوله ولو دين كراء ; لأن ما هنا في الفلس خاصة وما مر فيه وفي الموت مع إرادة المحاصة لا مع إرادة الأخذ في الفلس ( وقدم ) رب الأرض بكرائها ( في زرعها ) حتى يستوفي منه حصة السنة المزروعة وما قبلها ، وكذا ما بعدها إذا لم يأخذ أرضه وإلا لم يكن له فيما بعدها شيء ( في الفلس ) أي فلس المكتري ; لأنه نشأ عنها وهي حائزة له فحوزها كحوز ربها فكان بمنزلة من باع سلعة وفلس مشتريها قبل قبضها ، وسواء جذ الزرع أم لا ومثل الزرع الغرس أو أنه يشمله ، وأما في الموت فهو والساقي أسوة الغرماء ويقدم عليهما المرتهن ( ثم ) إذا استوفى الكراء يقدم على الغرماء فيما بقي من الزرع ( ساقيه ) أي الأجير الذي استؤجر على سقيه بأجرة معلومة في الذمة إذ لولاه ما انتفع بالزرع ( ثم ) يلي ساقيه فيما فضل عنه ( مرتهنه ) الحائز له ، ثم إن فضل شيء فالغرماء وتقدم أن المرتهن يقدم على الساقي وعلى رب الأرض في الموت .

التالي السابق


( قوله وأخذ المكري دابته وأرضه . . . إلخ ) حاصله أن من أكرى دابة أو أرضا أو دارا لشخص وجيبة ، ثم فلس المكتري قبل دفع الكراء وقبل استيفاء جميع المنفعة فإن المكري يخير إن شاء أخذ دابته وأرضه وداره وفسخ الكراء فيما بقي وحاص الغرماء بأجرة المدة التي استوفى المفلس فيها المنفعة قبل الفلس وإن شاء ترك ذلك للغرماء وحاصص بجميع الكراء كما أنه يتعين محاصصته في الموت وليس له أخذ عين شيئه فقول المصنف وأخذ المكري دابته أي له أخذ ذلك لا أنه يتعين له الأخذ والمراد أخذ المكري في هذا الباب وهو باب الفلس ، وقوله [ ص: 288 ] دابته أي المكرية كراء وجيبة وحملناه على باب الفلس ; لأنه في الموت يحاصص مطلقا .

( قوله وفلس قبل . . . إلخ ) جملة حالية ولو قال الذي فلس كان أوضح ، وإنما قيد المكتري بكونه فلس قبل استيفائه المنفعة ; لأنه لو فلس بعد استيفائها كان الكراء منقضيا فلا يقال حينئذ أخذ المكري إلخ ( قوله وفسخ . . . إلخ ) عطف على قول المصنف أخذ المكري دابته ( قوله وإن شاء تركه ) أي ترك ما ذكر من الدابة والدار والأرض للمفلس ( قوله لحلوله ) أي الكراء المؤجل ( قوله فيتعين الترك ) أي ترك الشيء المكترى للغرماء حتى تنقضي مدة الوجيبة ( قوله كما تقدم ) الكاف للتعليل أي لما تقدم من قول المصنف وحل به وبالموت ما أجل ولو دين كراء ، وإنما ذكر المصنف قوله وأخذ المكري إلخ وإن فهم من قوله فيما مر وللغريم أخذ عين شيئه المحوز عنه في الفلس لا الموت لأجل التوطئة لما بعده وهو قوله وقدم في زرعها ( قوله وبهذا ) أي التقرير يعلم أنه لا منافاة إلخ حاصل المنافاة أن المصنف قد أفاد فيما مر أن دين الكراء يحل بالموت والفلس وإذا حل الدين المذكور كان الحق في المنفعة للغرماء وليس للمكري أخذ ما أكراه ، وقد جعل له هنا الأخذ ، وحاصل الجواب أنه لا يلزم من الحلول كون المنفعة للغرماء ; لأن أخذ المكري دابته وأرضه فرع عن حلول الكراء فالمصنف لما أفاد فيما تقدم أن دين الكراء يحل بالموت والفلس أفاد هنا أن المكري مخير في الفلس بين أن يأخذ دابته وأرضه وبين أن يحاصص الكراء بخلاف الموت فإنه يتعين فيه التسليم والمحاصة بالجميع .

( قوله وقدم في زرعها إلخ ) حاصله أنك إذا اكتريت أرضا من زيد بمائة دينار عشر سنين فزرعتها ، ثم اكتريت شخصا بعشرة يسقي لك الزرع ، ثم تداينت دينارا ورهنت ذلك الزرع فيه ، ثم إنك فلست فرب الأرض يقدم في الزرع ; لأن الزرع له بالأرض اتصال قوي فكأنه جزء منها فإذا بقيت بقية من ذلك الزرع بعد أخذ رب الأرض أجرته قدم الساقي يأخذ حقه منها على المرتهن ، ثم يليه المرتهن ( قوله وقدم رب الأرض بكرائها في زرعها ) استشكل تقديمه في زرعها بأنه يلزمه عليه كراء الأرض بما يخرج منها وهو ممنوع وأجاب عبق بأن هذا أمر جر إليه الحال لا أنه مدخول عليه ، وأجاب المسناوي بأن معنى تقديم رب الأرض بالكراء في زرعها يكون رهنا بيده فيباع ويؤخذ من ثمنه الكراء فإذا بقي من ذلك الثمن بقية قدم الساقي فيها على المرتهن فلا يلزم كراء الأرض بما يخرج منها وهو ظاهر ولا حاجة لجواب عبق ( قوله ومثل الزرع الغرس ) بل وكذلك البناء ; لأن القاعدة إلحاق البناء بالغرس كما ذكر شيخنا ( قوله وأما في الموت فهو والساقي أسوة الغرماء ويقدم عليهما المرتهن ) ما ذكره من التفرقة بين الموت والفلس هو المشهور ومقابله أن رب الأرض في الموت والفلس كما في التوضيح ( قوله الذي استؤجر على سقيه ) الأولى أن يراد بالساقي الذي استؤجر على خدمة الأرض وخدمة زرعها سواء كانت بالسقي أو بإصلاحها بالفحت أو الجرف أو غير ذلك كما قرره شيخنا العدوي ، وهذا غير عامل المساقاة ; لأنه يأخذ حصته قبل رب الأرض وغيره في الموت والفلس ; لأنه شريك ( قوله ثم مرتهنه ) أي الزرع أي المرتهن الذي رهن المكتري الزرع عنده في دين تداينه منه .




الخدمات العلمية