الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ولا تشترط العدالة حتى ينعقد بحضرة الفاسقين عندنا خلافا للشافعي رحمه الله . له أن الشهادة من باب الكرامة والفاسق من أهل الإهانة . ولنا أنه من أهل الولاية فيكون من أهل الشهادة ، [ ص: 202 ] وهذا لأنه لما لم يحرم الولاية على نفسه لإسلامه لا يحرم على غيره لأنه من جنسه ، ولأنه صلح مقلدا فيصلح مقلدا وكذا شاهدا . والمحدود في القذف من أهل الولاية فيكون من أهل الشهادة تحملا ، وإنما الفائت ثمرة الأداء بالنهي لجريمته فلا يبالي بفواته كما [ ص: 203 ] في شهادة العميان وابني العاقدين .

التالي السابق


( قوله ولا تشترط العدالة حتى ينعقد بحضرة الفاسقين عندنا خلافا للشافعي . له أن الشهادة من باب الكرامة ) حقيقته الرجوع إلى الوجه الأول القائل بأنها شرطت إظهارا للخطر وهو معنى التكرمة ( والفاسق من أهل الإهانة ) فلا تكرمة ولا تعظيم للعقد بإحضاره . عارضه المصنف بقوله ( ولنا أنه ) أي الفاسق ( من أهل الولاية فيكون من أهل الشهادة ) تحليله من شرطية وضع فيها المقدم أسهل من تحليله من اقتراني كما سلكه بعض الشارحين فأطال : أي لما كان من أهل الولاية كان من أهل الشهادة ، فهذه دعوى ملازمة شرعية . وقوله وهذا لأنه لما لم يحرم الولاية على نفسه إلخ ملازمة أخرى لبيان الملازمة الأولى في حيز المنع كالأولى فعللها بقوله لأنه من جنسه : أي لأن الغير من جنس الفاسق ويجوز قلبه .

وفيه تقرير آخر لبعضهم بعيد من اللفظ . وحاصل هذا أن أحكام أفراد الجنس المتحد متحدة بحسب الأصل ، فكل مسلم يتعلق به من خطابات الأحكام [ ص: 202 ] ما يتعلق بمثله فلما لم يحرم الشارع الفاسق من الولاية على نفسه علم أنه لم يعتبر شرعا فسقه سالبا لأهلية الولاية مطلقا فجاز ثبوتها على غيره لأنه كنفسه ، إلا أن ثبوتها على غيره لا يتحقق إلا برضاه وذلك بتوليته عليه ، وإذا استشهده فقد استولاه ورضي به فيثبت ذلك القدر وهو صحة سماعه عليه كما يصح منه سماعه لأحد شطري ما يعقده من المعاملات لنفسه من غيره ومجرد السماع هو الشرط فتجوز شهادته فيه : أي سماعه .

أما الأداء فمتوقف على فعل غيره وهو إجازة القاضي . وأنت إذا تأملت هذا الوجه ظهر لك أنه لم يزد على اقتضاء تجويز كون الفاسق شاهدا فتثبت شهادته لعدم النافي . والوجه السابق من اشتراط الشهادة لإظهار تعظيم العقد وتعظيم المحل الوارد هو عليه ينفيه لأن مجرد إحضار الفاسق ليس بتكرمة . والحق أن هذا الوجه إنما ينفي ما ذكرناه من إحضار الفساق حال سكرهم على ما فرعوا من أنه إذا عقد بحضرة سكارى يفهمون كلام العاقدين جاز وإن كانوا بحيث ينسونه إذا صحوا وهو الذي دنا به آنفا .

أما من كان في نفسه فاسقا وله مروءة وحشمة فإن إحضاره للشهادة لا ينافيه الوجه المذكور ، فالحق صحة العقد بحضرة فساق لا في حال فسقهم ، والله أعلم ( قوله ولأنه صلح مقلدا ) بكسر اللام المشددة .

وجه ثان ذكره المصنف في صحة شهادة الفاسق في النكاح وهو أنه صلح مقلدا : أي سلطانا وخليفة ( فيصلح مقلدا ) بفتح اللام : أي قاضيا ( وكذا شاهدا ) بالواو في نسخ وبالفاء في نسخ ، فعلى الأول هي ملازمة [ ص: 203 ] واحدة .

حاصلها أنه لما صلح للولاية الكبرى التي هي أعم ضررا ونفعا صلح للصغرى التي هي الأقل وهي القضاء والشهادة بطريق الأولى . بيان الاستثنائية المقدرة المستغنى عن إظهارها بلفظة لما فإنها دالة على وضع المقدم أن الخلفاء غير الأربعة السابقين ومن تبعهم بإحسان كعمر بن عبد العزيز قلما خلوا من فسق مع عدم إنكار السلف ولا يتهم وتصحيح تقليدهم القضاء وغيره .

وعلى الثاني ملازمتان بين صلاحية الكبرى وصلاحية القضاء وبين صلاحية القضاء وصلاحية الشهادة ، والأول سبب للثاني في كل منهما . فاعترض بأنه ذكر في أدب القاضي أن الأمر بالعكس حيث قال لا تصح ولاية القاضي حتى يجتمع في المولى شرائط الشهادة . وأجيب بأن قوله فكذا شاهدا عطف على مقلدا بكسر اللام وإن تخلل معطوف غيره كعمرو من قولك جاء زيد وبكر وعمرو عطف على زيد لا بكر ، ومسببيته عنه ظاهرة ولا مناقضة حينئذ ، وفيه نظر إذ العطف بالفاء يقتضي ترتب كل على ما قبله كما في جاء زيد فعمرو فبكر .



[ فرع ]

في فتاوى النسفي : للقاضي أن يبعث إلى شفعوي ليبطل العقد إذا كان بشهادة الفاسق ، وللحنفي أن يفعل ذلك على ما نبين في كتاب القضاء إن شاء الله تعالى ، وكذا لو كان بغير ولي فطلقها ثلاثا فبعث إلى شافعي يزوجها منه بغير محلل ثم يقضي بالصحة ، وبطلان النكاح الأول يجوز إذا لم يأخذ القاضي الكاتب ولا المكتوب إليه شيئا ولا يظهر بهذا حرمة الوطء السابق ولا شبهة ولا خبث في الولد ، كذا في الخلاصة ، ثم قال : قال الإمام ظهير الدين المرغيناني : لا يجوز الرجوع إلى شافعي المذهب إلا في اليمين المضافة ، أما لو فعلوا فقضى ينفذ




الخدمات العلمية