الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال ( وإذا خرج أحد الزوجين إلينا من دار الحرب مسلما وقعت البينونة بينهما ) وقال الشافعي لا تقع ( ولو سبي أحد الزوجين [ ص: 423 ] وقعت البينونة بينهما ، وإن سبيا معا لم تقع ) وقال الشافعي : وقعت ، فالحاصل أن السبب هو التباين دون السبي عندنا وهو يقول بعكسه . له أن للتباين أثره في انقطاع الولاية ، وذلك لا يؤثر في الفرقة كالحربي المستأمن والمسلم المستأمن ، أما السبي فيقتضي الصفاء للسابي ولا يتحقق إلا بانقطاع النكاح ، ولهذا [ ص: 424 ] يسقط الدين عن ذمة المسبي . ولنا أن مع التباين حقيقة وحكما لا تنتظم المصالح فشابه المحرمية .

التالي السابق


( قوله وإذا خرج أحد الزوجين إلينا مسلما وقعت البينونة ) حكم المسألة [ ص: 423 ] لا يتوقف على خروجه مسلما بل وذميا كما سنذكر ( قوله فالحاصل أن السبب إلخ ) اختلف في أن تباين الدارين حقيقة وحكما بين الزوجين هل يوجب الفرقة بينهما ؟ فقلنا نعم ، وقال الشافعي : لا ، وفي أن السبي هل يوجب الفرقة أم لا ؟ فقلنا لا ، وقال نعم . وقوله قول مالك وأحمد فيتفرع عليه أربع صور وفاقيتان ، وهما لو خرج الزوجان إلينا معا ذميين أو مسلمين أو مستأمنين ثم أسلما أو صارا ذميين لا تقع الفرقة اتفاقا ، ولو سبى أحدهما تقع الفرقة عنده للسبي وعندنا للتباين .

وخلافيتان إحداهما ما إذا خرج أحدهما إلينا مسلما أو ذميا أو مستأمنا ثم أسلم أو صار ذميا عندنا تقع ، فإن كان الرجل حل له التزوج بأربع في الحال وبأخت امرأته التي في دار الحرب إذا كانت في دار الإسلام ، وعنده لا تقع الفرقة بينه وبين زوجته التي في دار الحرب إلا في المرأة تخرج مراغمة لزوجها أي بقصد الاستيلاء على حقه فتبين عنده بالمراغمة والأخرى ما إذا سبي الزوجان معا ; فعنده تقع الفرقة وللسابي أن يطأها بعد الاستبراء ، وعندنا لا تقع لعدم تباين داريهما . وفي المحيط : مسلم تزوج حربية في دار الحرب فخرج رجل بها إلى دار الإسلام بانت من زوجها بالتباين ، ولو خرجت المرأة بنفسها قبل زوجها لم تبن ; لأنها صارت من أهل دارنا بالتزامها أحكام المسلمين ، إذ لا تمكن من العود ، والزوج من أهل دار الإسلام فلا تباين يريد في الصورة الأولى إذا أخرجها الرجل قهرا حتى ملكها لتحقق التباين بينها وبين زوجها حينئذ حقيقة وحكما ، أما حقيقة فظاهر وأما حكما فلأنها في دار الحرب حكما وزوجها في دار الإسلام حكما .

وجه قوله إن لتباين الدارين ( أثره في انقطاع الولاية ) أي ولاية من في دار الحرب عليه إن كان خارجا إلينا وولاية من في دارنا عليه إن كان لاحقا بدار الحرب بحيث يتعذر الإلزام عليه ( وذلك لا يؤثر في الفرقة كالحربي المستأمن والمسلم المستأمن أما السبي فيقتضي الصفاء للسابي ) والصفاء هنا بالمد : أي الخلوص ( ولا يتحقق ) صفاؤه له ( إلا بانقطاع النكاح ولهذا ) أي [ ص: 424 ] لثبوت الصفاء بالسبي ( يسقط ، ما على المسبي من دين ) إن كان لكافر عليه لعدم احترامه ، فكذا يسقط حق الزوج الحربي ، وهذا ; لأن الصفاء موجب لملك ما يحتمل التملك وملك النكاح كذلك فخلص له عند عدم احترام الحق المتعلق به وصار سقوط ملك الزوج عنها كسقوطه عن جميع أملاكه فإنها تذهب .

ويؤيده من المنقول { أن أبا سفيان أسلم في معسكر رسول الله صلى الله عليه وسلم بمر الظهران حين أتى به العباس وزوجته هند بمكة وهي دار حرب إذ ذاك ولم يأمرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بتجديد نكاحهما } . ولما فتحت مكة هرب عكرمة بن أبي جهل وحكيم بن حزام حتى أسلمت امرأة كل منهما وأخذت الأمان لزوجها وذهبت فجاءت به ولم يجدد نكاحهما . وتباين الدارين بين أبي العاص بن الربيع زوج زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي عنها أظهر وأشهر فإنها هاجرت إلى المدينة وتركته بمكة على شركه ، ثم جاء وأسلم بعد سنين ، قيل ثلاث سنين ، وقيل ست ، وقيل ثمان فردها عليه بالنكاح الأول فهذه كلها نصوص لما عللنا به . واستدل الشافعي أيضا على إثبات علته بأن قوله تعالى { والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم } نزلت في سبايا أوطاس وكن سبين مع أزواجهن ، وقد علم { أن منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم نادى ألا لا تنكح الحبالى حتى يضعن ، ولا الحيالى حتى يحضن } فقد استثنى المسبيات مع أزواجهن من المحرمات ، فظهر أن السبي يوجب الفرقة . وقوله كالحربي المستأمن ظاهره أنه أصل قياس وفرعه الخارج إلينا مسلما من دار الحرب أو ذميا ، والحكم عدم الفرقة بينه وبين زوجته بجامع عدم سبيهما فهو من قبيل تعليل الحكم العدمي بالمعنى العدمي ، وعلى هذا فالسوق لإثبات الفرع ، لكن الظاهر أن المراد نفي تأثير التباين فحق اللفظ هكذا لا يؤثر في الفرقة لتخلفه في المستأمن إلخ ( قوله ولنا أن مع التباين حقيقة وحكما لا تنتظم المصالح ) التي شرع النكاح لها ; لأن الظاهر أن الخارج إلينا مسلما أو ذميا لا يعود ، والكائن هناك لا يخرج إلينا فكان التباين منافيا له ، فكان اعتراضه قاطعا ، كاعتراض المحرمية بالرضاع ، وتقبيل ابن الزوج بشهوة مثلا لما نافته كان اعتراضها قاطعا .




الخدمات العلمية