الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 339 ] ( وإن تزوج حر امرأة على خدمته إياها سنة أو على تعليم القرآن فلها مهر مثلها ، وقال محمد : لها قيمة خدمته ، وإن تزوج عبد امرأة بإذن مولاه على خدمته سنة جاز ولها خدمته ) وقال الشافعي : لها تعليم القرآن والخدمة في الوجهين ; لأن ما يصح أخذ العوض عنه بالشرط يصلح مهرا عنده ; لأن بذلك تتحقق المعاوضة ، وصار كما إذا تزوجها على خدمة حر آخر أو على رعي الزوج غنمها ولنا أن المشروع هو الابتغاء بالمال والتعليم ليس بمال وكذلك المنافع على أصلنا [ ص: 340 ] وخدمة العبد ابتغاء بالمال لتضمنه تسليم رقبته ولا كذلك الحر ، ولأن خدمة الزوج الحر لا يجوز استحقاقها بعقد النكاح لما فيه من قلب الموضوع ، بخلاف خدمة حر آخر برضاه ; لأنه لا مناقضة ، [ ص: 341 ] وبخلاف خدمة العبد ; لأنه يخدم مولاه معنى حيث يخدمها بإذنه وبأمره ، وبخلاف رعي الأغنام ; لأنه من باب القيام بأمور الزوجية فلا مناقضة على أنه ممنوع في رواية ، ثم على قول محمد تجب قيمة الخدمة ; لأن المسمى مال إلا أنه عجز عن التسليم لمكان المناقضة فصار كالتزوج على عبد الغير ، وعلى قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله يجب مهر المثل ; لأن الخدمة ليست بمال إذ لا تستحق فيه بحال فصار كتسمية الخمر والخنزير ، [ ص: 342 ] وهذا ; لأن تقومه بالعقد للضرورة ، فإذا لم يجب تسليمه بالعقد لم يظهر تقومه فيبقى الحكم للأصل وهو مهر المثل .

التالي السابق


. ( قوله وإن تزوج حر امرأة على خدمته شهرا أو سنة فلها مهر مثلها . وقال محمد في الجامع : لها قيمة خدمته سنة ) ولم يذكر القدوري خلافا . واختلف في قول أبي يوسف ; فقال الهندواني : ينبغي أن يكون مع محمد ، وقال بعض المشايخ مع أبي حنيفة ، وهو الأظهر وإلا لم يقتصر على خلاف محمد في الجامع الصغير ( قوله وقال الشافعي : لها تعليم القرآن والخدمة في الوجهين ) أي وجهي حرية الزوج وعبديته ( قوله وكذا المنافع على أصلنا ) قصر النظر على هذه النكتة يوجب أن لا يصح تسمية شيء من المنافع ، وملاحظة قوله وخدمة العبد ابتغاء بالمال لتضمنه تسليم رقبته وهي مال [ ص: 340 ] يقتضي جواز جميع منافع الأعيان ما خلا خدمة الحر ، ويوافقه عموم مفهوم قوله ولا كذلك الحر ، وهذا موافق لما في جامع قاضي خان وشرح الشافي لنجم الدين عمر النسفي .

وما قال في البدائع : لو تزوجها على سائر منافع الأعيان سكنى داره وخدمة عبده وركوب دابته والحمل عليها وزراعة أرضه : يعني أن تزرع هي أرضه ونحوها من منافع الأعيان مدة معلومة صحت التسمية ; لأن هذه المنافع أموال أو ألحقت بالأموال شرعا في سائر العقود لمكان الحاجة إليها ، والحاجة في النكاح متحققة وإمكان الدفع ثابت بتسليم محالها إذ ليس فيه استخدام المرأة زوجها يفيد جواز تسمية خدمة الحر وهو الصحيح . وفي الغاية معزيا إلى المحيط : لو تزوجها على خدمة حر آخر فالصحيح صحته وترجع على الزوج بقيمة خدمته ، وهذا يشير إلى أنه لا يخدمها ، فإما ; لأنه أجنبي فلا يؤمن الانكشاف عليه مع مخالطته للخدمة ، وإما أن يكون مراده إذا كان بغير أمر ذلك الحر ولم يجزه .

وأنت إذا تأملت تعليل محمد رحمه الله وجوب قيمة الخدمة بأن المسمى مال إلا أنه عجز عن التسليم للمناقضة وتعليلهما نفي ماليته بعدم استحقاقه في هذا العقد بحال المقيد أنه لو استحق تسليمه ألحق بالأموال لكن انتفى ذلك للزوم المناقضة لا تكاد تتوقف في صحة تسمية خدمة حر آخر ، ثم بعد هذا يجب أن ينظر ، فإن لم يكن بأمره ولم يجزه وجب قيمتها ، وإن كان بأمره ، فإن كانت خدمة معينة تستدعي مخالطة لا يؤمن معها الانكشاف والفتنة وجب أن تمنع وتعطي هي قيمتها أو لا تستدعي ذلك وجب تسليمها ، وإن كانت غير معينة بل تزوجها على منافع ذلك الحر حتى تصير أحق بها ; لأنه أجير واحد ، فإن صرفته في الأول فكالأول ، أو في الثاني فكالثاني ، وقد أزال المصنف آخرا بقوله بخلاف خدمة حر آخر فإنه لا مناقضة .

والحاصل أن ما هو مال أو منفعة يمكن تسليمها شرعا يجوز التزوج عليها ، وما لا يجوز كخدمة الزوج الحر للمناقضة أو حر آخر في خدمة تستدعي خلوة للفتنة وتعليم القرآن لعدم استحقاق الأجرة على ذلك كالأذان والإمامة والحج .

وعند الشافعي : يجوز أخذ الأجرة على هذه فصح تسميتها . واختلفت الروايات في رعي غنمها وزراعة أرضها للتردد في تمحضها خدمة وعدمه ، وكون الأوجه الصحة لقص الله سبحانه قصة شعيب وموسى عليهما السلام من غير بيان نفيه في شرعنا إنما يلزم لو كانت الغنم ملك البنت دون شعيب وهو [ ص: 341 ] منتف ( قوله وبخلاف رعي الأغنام إلخ ) يعني أنه لم يتمحض خدمة لها إذ العادة اشتراك الزوجين في القيام على مصالح مالهما : أي بأن يقوم كل بمصالح مال الآخر ( على أنه ممنوع في رواية ) في الدراية ، بخلاف رعي الغنم والزراعة حيث لا يجوز على رواية الأصل والجامع وهو الأصح : يعني على أن يزرع لها أرضها ، ويجوز على رواية ابن سماعة ; لأنه ليس من باب الخدمة لما ذكرنا ، ألا يرى أن الابن إذا استأجر أباه للخدمة لا يجوز ، ولو استأجره للرعي والزراعة يصح ا هـ .



[ فروع ]

وإذا أعتق أمة وجعل عتقها صداقها كأن يقول أعتقتك على أن تزوجيني نفسك بعوض العتق فقبلت صح العتق وهي بالخيار في تزوجه ، فإن تزوجته فلها مهر مثلها خلافا لأبي يوسف . له الحديث الصحيح [ ص: 342 ] { أنه صلى الله عليه وسلم تزوج صفية وجعل عتقها صداقها } . قلنا : نص كتاب الله تعالى يعين المال فإنه بعد عد المحرمات أحل ما وراءهن مقيدا بالابتغاء بالمال ، قال الله تعالى { وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين } الآية ، وقول الراوي ذلك كناية عن عدم المهر : يعني أنه أعتقها وتزوجها ولم يكن شيء غير العتق والتزوج بلا مهر جائزا للنبي صلى الله عليه وسلم دون غيره . وغاية ما فيه أن ما ذكرناه محتمل لفظ الراوي فيجب حمله عليه دفعا للمعارضة بينه وبين الكتاب ، وإن أبت أن تتزوجه ألزمناها بقيمتها ، ولو كانت الجارية أم ولد فأعتقها على ذلك فأبت قال أبو حنيفة : لا يجب عليها قيمتها ; لأن رقها غير متقوم عنده .



ولو قالت لعبدها أعتقتك على أن تتزوجني بألف أو على أن تعطيني ألفا فقبل عتق فإن أبى تزوجها فعليه قيمة نفسه ، وإن تزوجها بألف قسم الألف على قيمة نفسه وعلى مهر مثلها ، فما أصاب الرقبة فهو قيمته ، وما أصاب المهر فمهرها ، ويتنصف بالطلاق قبل الدخول




الخدمات العلمية