الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ومن بعث إلى امرأته شيئا فقالت هو هدية وقال الزوج هو من المهر فالقول قوله ) ; لأنه هو المملك فكان أعرف بجهة التمليك ، كيف وأن الظاهر أنه يسعى في إسقاط الواجب . قال ( إلا في الطعام الذي يؤكل فإن القول قولها ) [ ص: 380 ] والمراد منه ما يكون مهيأ للأكل ; لأنه يتعارف هدية ، فأما في الحنطة والشعير فالقول قوله لما بينا ، وقيل ما يجب عليه من الخمار والدرع وغيرهما ليس له أن يحتسبه من المهر ; لأن الظاهر يكذبه ، والله أعلم .

التالي السابق


. ( قوله ومن بعث إلى امرأته شيئا ثم قال من حقك وقالت هدية فالقول له ; لأنه المملك فكان أعرف بجهة التمليك ) إلا فيما يكون مهيأ للأكل ; لأن الظاهر يتخلف عنه فيه ، والقول إنما هو قول من يشهد له الظاهر ، والظاهر [ ص: 380 ] في المتعارف مثله أن يبعثه هدية ، والمراد منه نحو الطعام المطبوخ والمشوي والفواكه التي لا تبقى والحلواء والخبز والدجاج المطبوخ ، فأما الحنطة والشعير والعسل والسمن والجوز واللوز والدقيق والسكر والشاة الحية فالقول فيه قوله . وإذا حلف والمرسل قائم ، إن كان من غير جنس حقها ولم يرضيا ببيعه بالصداق يأخذه ، وإن كان هالكا لا ترجع بالمهر بل بما بقي إن كان يبقى بعد قيمته شيء ، ولو بعث هو وبعث أبوها له أيضا ثم قام هو من المهر فللأب أن يرجع في هبته إن كان من مال نفسه وكان قائما ، وإن كان هالكا لا يرجع ، وإن كان من مال البنت بإذنها فليس له الرجوع ; لأنه هبة منها وهي لا ترجع فيما وهبت لزوجها . وفي فتاوى أهل سمرقند : بعث إليها هدايا وعوضته المرأة ثم زفت إليه ثم فارقها وقال بعثتها إليك عارية وأراد أن يسترده وأرادت هي أن تسترد العوض فالقول قوله في الحكم ; لأنه أنكر التمليك .

وإذا استرده تسترد هي ما عوضته . هذا والذي يجب اعتباره في ديارنا أن جميع ما ذكر من الحنطة واللوز والدقيق والسكر والشاة الحية وباقيها يكون القول فيها قول المرأة ; لأن المتعارف في ذلك كله أن يرسله هدية والظاهر مع المرأة لا معه ولا يكون القول له إلا في نحو الثياب والجارية ، وفيما إذا بعث الأب بعد بعث الزوج تعويضا يثبت له حق الرجوع على الوجه الذي ذكر في فتاوى أهل سمرقند ، وكذا البنت فيما إذا أذنت في بعثه تعويضا ، هذا إذا كان بعثها عقيب بعث الزوج ، فإن تقدم عليه فالظاهر أنه هدية لا يوجب الرجوع فيه للزوج إلا إن كان قائما ، والله سبحانه أعلم .

( قوله فالقول قوله ) أي مع يمينه ( قوله وقيل ما يجب إلخ ) بخلاف الخف والملاءة لا تجب عليه إذ لا يجب عليه تمكينها من الخروج بل يجب منعها إلا فيما سنذكره فيما بعد إن شاء الله تعالى ويجب عليه الخف والملاءة لأمتها ، ثم كون الظاهر بكذبه في نحو الدرع والخمار إنما ينفي احتسابه من المهر لا من حق آخر كالكسوة .



[ فروع ]

زوج بنته وجهزها ثم ادعى أن ما دفعه لها عارية وقالت تمليكا أو قال الزوج ذلك بعد موتها ليرث منه وقال الأب عارية ، قيل القول للزوج ولها ; لأن الظاهر شاهد به إذ العادة دفع ذلك إليها هبة واختاره السغدي ، واختار الإمام السرخسي كون القول للأب ; لأن ذلك يستفاد من جهته والمختار للفتوى القول الأول إن كان العرف ظاهرا بذلك كما في ديارهم كما ذكره في الواقعات وفتاوى الخاصي وغيرهما ، وإن كان العرف مشتركا فالقول للأب ، وقيل إن كان الرجل ممن مثله يجهز البنات تمليكا فالقول للزوج وإلا فله . ولو أبرأت الزوج من المهر أو وهبته ثم ماتت فقالت الورثة هو في مرض موتها وأنكر الزوج فالقول له . وقيل ينبغي أن يكون القول [ ص: 381 ] للورثة ; لأن الزوج يدعي سقوط ما كان ثابتا وهم ينكرون . وجه الظاهر أن الورثة لم يكن لهم حق وإنما كان لها وهم يدعونه لأنفسهم والزوج ينكر فالقول له . وفي البدائع في كتاب النفقات : أعطاها مالا وقال من المهر وقالت من النفقة فالقول للزوج لا أن تقيم هي البينة ; لأن التمليك منه . وفي الخلاصة : أنفق على معتدة الغير على طمع أن يتزوجها إذا انقضت عدتها ، فلما انقضت أبت ، إن شرط في الإنفاق التزوج : يعني كأن يقول أنفق عليك بشرط أن تتزوجيني يرجع زوجت نفسها أو لا ; لأنه رشوة والصحيح أنه لا يرجع لو زوجت نفسها وإن لم يشترط لكن أنفق على هذا الطمع اختلفوا . والأصح أنه لا يرجع إذا زوجت ، قاله الصدر الشهيد . وقال الشيخ الإمام : الأصح أنه يرجع عليها زوجت نفسها منه أو لا ; لأنه رشوة ، واختاره في المحيط ، وهذا إذا دفع الدراهم إليها لتنفق على نفسها ، أما إذا أكل معها فلا يرجع بشيء ا هـ ولم يذكر ما إذا أبت أن تتزوجه في فصل عدم الاشتراط صريحا إلا ما قد يتوهم من اقتصاره على قول الشهيد ، ومن بعده أنه يرجع إذا لم تتزوجه .

وحكي في فتاوى الخاصي فيما إذا أنفق بلا شرط بل للعلم عرفا أنه ينفق للتزوج ثم لم تتزوج به خلافا ، منهم من قال يرجع ; لأن المعروف كالمشروط ، ومنهم من قال لا . قال : وهو الصحيح ; لأنه إنما أنفق على قصده لا شرطه . وفيها : ادعت على زوجها بعد وفاته أن لها عليه ألفا من مهرها تصدق في الدعوى إلى مهر مثلها في قول أبي حنيفة ; لأن عنده يحكم مهر المثل فمن شهد له مهر المثل كان القول قوله قوله مع يمينه . وفي النوازل : اتخذت لأبويها مأتما فبعث الزوج إليها بقرة فذبحتها وأطعمتها أيام المأتم فطلب قيمتها فإن اتفقا أنه بعث بها إليها وأمرها أن تذبح وتطعم ولم يذكر قيمة ليس له أن يرجع عليها ; لأنها فعلت بإذنه من غير شرط القيمة ، وإن اتفقا على ذكره الرجوع بالقيمة فله أن يرجع وإن اختلفا في ذكر القيمة فالقول للزوجة مع يمينها ; لأن حاصل الاختلاف راجع إلى شرط الضمان وهي منكرة .



[ تتمة فيها مسائل ]

الأولى : مسألة تعورف ذكرها في باب المهر مع أن الجواب المذكور فيها إنما يتعلق بالميراث فأحببنا الاتباع ونذكر المهر زيادة فيها . تزوج ثنتين في عقدة وواحدة في عقدة وثلاثا في عقدة ومات قبل أن يدخل بواحدة منهن وقبل أن يبين المتقدمة نكاحا من غيرها ، فميراث الزوجات وهو الربع عند عدم الولد وولد الابن ، والثمن مع الولد أو ولد الابن بينهن على أربعة وعشرين : سبعة للتي تزوجها وحدها اتفاقا ، والباقي نصفه للثنتين ، ونصفه للثلاث عند أبي حنيفة ، وقالا : ثمانية أسهم من الباقي للثنتين ، وتسعة للثلاث على اختلاف تخريجهما . وإنما قلنا المسألة من أربعة وعشرين ; لأن نكاح الواحدة صحيح على كل حال ; لأنه إن تقدم فظاهر .

وكذا إن توسط ; لأنها تكون ثالثة إن وقع بعد الثنتين ورابعة بعد الثلاث ، وكذا إذا تأخر لبطلان نكاح أحد الفريقين فتقع هي ثالثة أو رابعة ، ونكاح كل من الفريقين صحيح في حال باطل في حال ، ثم تقول : إن صح نكاح الواحدة مع الثنتين فلها ثلث الميراث ، وإن صح مع الثلاث فلها ربعه فنحتاج إلى حساب له ثلث وربع وأقله اثنا عشر ، أو نقول : مخرج الثلث من ثلاثة والربع من أربعة وبينهما مباينة فضربنا أحدهما في الآخر فصار اثني عشر فيكون لها الثلث في حال أربعة والربع في حال ثلاثة ; فثلاثة ثابتة بيقين ، والرابع يجب في حال دون حال فينصف للشك فيه فينكسر فيضعف فيصير أربعة وعشرين ، أو يضرب مخرج النصف وهو اثنان في اثني عشر فصار أربعة وعشرين ، ثم نقول : للتي تزوجها وحدها سبعة من أربعة وعشرين ; لأن لها الثلث في حال ثمانية ، والربع في حال [ ص: 382 ] ستة فستة ثابتة بيقين ، ووقع الشك في سهمين ; لأنهما يسقطان في حال ويثبتان في حال ، فيثبت أحدهما ويضم إلى ستة صار لها سبعة ومما بقي تسعة للثلاث لكل واحدة ثلاثة وثمانية للثنتين لكل واحدة أربعة عند هما على اختلاف تخريجهما .

أما أبو يوسف فيعتبر المنازعة فيقول : لا منازعة للثنتين في السهم السابع عشر ; لأنهما لا تدعيان إلا ثلثي الميراث ستة عشر ، فالسهم السابع عشر يسلم للثلاث ; لأنهن يدعين ثلاثة أرباع الميراث ثمانية عشر فبقي ستة استوت منازعة الفريقين فيها فتكون بينهما نصفان فحصل للثلاث تسعة منها وللثنتين ثمانية . وأما محمد فيعتبر الأحوال فيقول إن صح نكاح الثلثين فلهما ثلثا الميراث ستة عشر وهو حال التقدم على الثلاث فتكون الواحدة معهما فيكون لهما ثلثاه ، وإن لم يصح فلا شيء لهما فلهما نصف ذلك وهو ثمانية . والثلاث إن صح نكاحهن فلهن ثلاثة أرباع الميراث ثمانية عشر ; لأن الواحدة ترث معهن ، وإن لم يصح فلا شيء لهن فلهن نصف ذلك وهو تسعة ، فاتفق الجواب واختلف التخريج والضابط عن الغلط قولنا الحاء مع الحاء والعين مع العين : أي لمحمد الأحوال ويعقوب المنازعة .

وعند أبي حنيفة نصف ما بقي للثنتين ونصف الآخر للثلاث ; لأن الفريقين في علة الاستحقاق سواء ; لأن كل فريق يستحق في حال وهو ما إذا كان سابقا على الفريق الآخر دون حال التأخير ، فصار كما لو لم يكن معهن واحدة ولو لم يكن معهن واحدة كان جميع ميراث النساء بين الفريقين نصفين ، كذا هنا ، فللتنصف وقع الكسر فضعفنا المجموع صار ثمانية وأربعين أو نضرب مخرج النصف وهو اثنان في أربعة وعشرين فيصير ثمانية وأربعين للواحدة من ذلك أربعة عشر ولكل واحدة من الطائفتين سبعة عشر فنطلب بين السهام والرءوس الاستقامة أو الموافقة أو المباينة فتستقيم أربعة عشر على الواحدة ولا تستقيم سبعة عشر على الثنتين ولا على الثلاث ولا موافقة بين ذلك أيضا فحصل معنا اثنان وثلاثة فنطلب بين الرءوس والرءوس الأحوال الأربعة : التداخل ، والتماثل ، والتوافق ، والتباين ، فوجدناها متباينة فنضرب ثلاثة في اثنين أو على العكس فيحصل ستة فنضربها في ثمانية وأربعين فتصير مائتين وثمانية وثمانين ومنها تصح ، وطريق معرفة ما لكل أن تضرب ما كان له في هذه الستة كان للواحدة أربعة عشر فتضربها في ستة يحصل لها أربعة وثمانون وكان لكل فريق سبعة عشر ضربناها في الستة يحصل لكل فريق مائة وسهمان لكل من الثنتين أحد وخمسون ولكل من الثلاث أربعة وثلاثون .

فإن قيل : ما ذكر أبو حنيفة مشكل ; لأنه يعطي الثنتين ما لا تدعيانه أجيب بأنهما إنما لا تدعيانه إذا استحقت الواحدة ذلك السهم فأما بدون استحقاقها فلا ، وقد خرج ذلك السهم من استحقاق الواحدة فكان دعواهما ودعوى الثلاث في استحقاق ما فرغ من استحقاق الواحدة سواء . هذا الاختلاف في الإرث ، أما المهور فالزوج إن كان حيا يؤمر بالبيان جبرا والقول قوله في الثلاث والثنتين أيهن الأول ; لأن نكاح أحد الفريقين صحيح في نفس الأمر ، والزوج هو الذي باشر العقود ، فإن قال لا أدري الأول حجب عنهن إلا الواحدة ; لأنه أقر بالاشتباه فيما لا مساغ فيه للتحري .

وإن مات أحد الفريقين والزوج حي فقال هن الأول ورثهن وأعطى مهورهن وفرق بينه وبين الآخر ، وإن كان دخل بهن كلهن ثم قال في صحته أو عند موته لأحد الفريقين ذلك فهو الأول ، ويفرق بينه وبين الآخر ولكل واحدة الأقل من مهر مثلها والمسمى كما هو الرسم في الدخول في النكاح الفاسد والدخول بهن لا يؤثر في البيان إذا لم تعلم السابقة في الوطء .

وأما المهر قبل الدخول فللواحدة ما سمي لها بكماله ; لأن نكاحها صحيح [ ص: 383 ] بيقين ، وللثلاث مهر ونصف وللثنتين مهر واحد بالاتفاق فهما يمران على أصلهما في اعتبار المنازعة والحال . وأبو حنيفة فرق بين المهر والميراث فاعتبر المنازعة في المهر دون الميراث فقال : ما فضل من الواحدة هناك بين الفريقين نصفان لا يتفاوتان فيه ; لأنهما قد استويا في الاستحقاق فيكون بينهما ، فأما هنا فالثنتان لا تدعيان النصف الزائد على المهرين والثلاث يدعينه فسلم لهن ، وفي المهرين استوت منازعتهما فيكون بينهما .

أو نقول : أكثر ما لهن ثلاثة مهور بأن يكون السابق نكاح الثلاث وأقل ما لهن مهران بأن يكون نكاح الثنتين سابقا فوقع الشك في مهر واحد فيتنصف فكان لهن مهران ونصف ، ثم لا منازعة للثنتين في الزيادة على مهرين فيسلم ذلك مع الثلاث وهو نصف مهر يبقى مهران استوت منازعة الفريقين فيه فكان بينهما فحصل مهر ونصف وللثلثين مهر واحد . ومحمد يقول : إن صح نكاح الثلاث فلهن ثلاثة مهور ، وإن لم يصح فلا شيء لهن فلهن نصف ذلك وهو مهر ونصف ، وأما الثنتان فلهما مهران إن صح وإلا فلا شيء لهما فلهما نصف ذلك مهر واحد . وأما حكم العدة فعلى كل واحدة منهن عدة الوفاة على الواحدة ظاهر ، وعلى الفريقين كذلك ; لأن الشرع حكم بصحة نكاحهن حيث أوجب لهن مهرا وميراثا والعدة مما يحتاط فيها ، فإن كان الزوج دخل بهن ولم يعرف الأول من الآخر فعلى غير الواحدة عدة الوفاة والحيض جميعا ، أعني أربعة أشهر وعشرا يستكمل فيها ثلاث حيض .



المسألة الثانية : تزوج امرأة وابنتيها في ثلاثة عقود ولا تدرى الأولى منهن ومات قبل الوطء والبيان فلهن مهر واحد ; لأن الصحيح نكاح إحداهن ليس غير ; لأنه إن تزوج الأم أولا لم يصح نكاح بنتها أو البنت فكذلك ، ولهن كمال ميراث النساء هذا بالاتفاق . ثم اختلفوا في كيفية القسمة فقال أبو حنيفة : للأم النصف من كل من المهر والميراث ، وقال أبو يوسف ومحمد : يقسم بينهن أثلاثا ولو كان تزوج الأم في عقدة والبنتين في عقدة كان الكل للأم بالاتفاق المتيقن ببطلان نكاحهما تقدم أو تأخر عن الأم للجمع بين الأختين في عقدة ; ولو كان تزوج امرأة وأمها وابنتها أو امرأة وأمها وأخت أمها كان المهر والميراث بينهن أثلاثا اتفاقا .

وقيل على الخلاف ، والصحيح الأول .

والأصل أن المساواة في سبب الاستحقاق توجب المساواة في الاستحقاق ، ونكاح كل واحدة يصح في حال ولا يصح في حالين فاستوين في حق الاستحقاق وهو يساعدهما على هذا الأصل ، لكنه يقول : الأم لا يزاحمها إلا إحدى البنتين ; لأنا تيقنا ببطلان نكاح إحدى البنتين والابنتان في النصف استويا ; لأنه ليست إحداهما بتعيين جهة البطلان أولى من الأخرى .



المسألة الثالثة : قال لأجنبية كلما تزوجتك فأنت طالق فتزوجها في يوم ثلاث مرات ودخل بها في كل مرة فهي امرأته ، وعليه مهران ونصف مهر ، ووقع عليه تطليقتان على قول أبي حنيفة وأبي يوسف ; لأنه لما تزوجها أولا وقع تطليقة ووجب نصف مهر ، فلما دخل بها وجب مهر كامل ; لأنه وطئ عن شبهة في المحل ، إذ الطلاق غير واقع عند الشافعي بناء على أن هذا التعليق عنده لا يصح ووجبت العدة ، فإذا تزوجها ثانيا وقعت أخرى وهو طلاق بعد الدخول معنى ، فإن من تزوج معتدته البائن وطلقها قبل الدخول فعند أبي حنيفة وأبي يوسف يكون هذا الطلاق بعد الدخول معنى فيجب مهر كامل وعدة مستأنفة ، خلافا لمحمد في إيجابه نصف المهر وبقية عدتها [ ص: 384 ] التي كانت فيها فصار على قولهما الواجب مهران ونصف مهر ، فإذا دخل بها وهي معتدة عن طلاق رجعي صار مراجعا فلا يجب بالوطء شيء ، فإذا تزوجها ثالثا لا يصح النكاح ; لأنه تزوجها وهي منكوحة ونكاح المنكوحة لا يصح . وعلى قول محمد بالتزوج الأول والطلاق عقيبه يجب نصف وبالدخول بعد مهر كامل وبالتزوج ، والدخول بعد الطلاق الواقع عقيبه أيضا مهر ونصف ، وكذا بالتزوج الثالث فكان الواجب على قوله أربعة مهور ونصف مهر ، وهذا بناء على أنه لم يصر مراجعا بالوطء عقيب النكاح الثاني ; لأن الطلاق الثاني لم يقع على مدخول بها . وعندهما لما كان الدخول في الأول دخولا في الثاني كان الطلاق عقيب الثاني عقيب الدخول . ولا يخفى عليك أن الدخول الأول لم يكن في نكاح بل ليس إلا وطئا بشبهة فاقتضى قولهما على هذا أن الرجعة تثبت بالوطء في عدة وإن كانت تلك العدة عن غير طلاق بل عن وطء بشبهة إذا كان مسبوقا بطلاق . ولو قال كلما تزوجتك فأنت طالق بائن والمسألة بحالها بانت بثلاث وعليه خمسة مهور ونصف مهر في قياس قولهما وأربعة مهور ونصف على قول محمد ، وتخريج ذلك على الأصل المذكور لكل ، فقول محمد يلزمه أربعة مهور ونصف على الأصل المذكور له آنفا ظاهر .

وأما وجه ما ذكرنا عندهما فلأنه بالنكاح الأول والدخول بعده يجب مهر ونصف ، وبالنكاح الثاني طلقت بائنا ولها مهر كامل ; لأنه طلاق بعد الدخول على قولهما ، ومهر آخر بالدخول بعده للشبهة ولم يصر به مراجعا ; لأن الطلاق بائن ، وبالنكاح الثالث طلقت ثلاثا ولها مهر ، وبالدخول بعد مهر آخر فصارت خمسة مهور ونصفا ، ثلاثة بالدخول ثلاث مرات ، ونصف مهر بالتزوج الأول ، ومهران بالتزوجين الأخيرين لكون الطلاق بعدهما بعد الدخول على قولهما .




الخدمات العلمية