الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وإذا صال السبع على المحرم فقتله لا شيء عليه ) وقال زفر : يجب الجزاء اعتبارا بالجمل الصائل . ولنا ما روي عن عمر أنه قتل سبعا وأهدى كبشا وقال : إنا ابتدأناه ; ولأن المحرم ممنوع عن التعرض لا عن دفع الأذى ، ولهذا كان مأذونا في دفع المتوهم من الأذى كما في الفواسق فلأن يكون مأذونا في دفع المتحقق منه أولى ، [ ص: 89 ] ومع وجود الإذن من الشارع لا يجب الجزاء حقا له ، بخلاف الجمل الصائل ; لأنه لا إذن من صاحب الحق وهو العبد .

التالي السابق


( قوله : وقال : إنا ابتدأناه ) هذا غريب لا يعرف ، وبتقدير ثبوته فإنما يفيد عدم الجزاء إذا كان المبتدئ السبع بمفهوم المخالفة ، وهو ليس بحجة عندهم ، ولا يمكن استناد عدم الوجوب فيه إلى العدم الأصلي ; لأن العدم الأصلي قد نسخ بإيجاب الجزاء في الصيد على العموم ، فما لم يخرجه دليل صحيح فهو داخل في الحكم العام [ ص: 89 ] فالأوجه الاستدلال بحديث أبي داود الذي ذكر فيه السبع العادي ، والوجه الذي ذكره من الاستدلال بدلالة نص قتل الفواسق فإنه أباحه لتوهم الأذى له : أي للقاتل أو لأبناء نوعه ، فمع تحقق الإيذاء له نفسه أولى ، وإذا ثبت الإذن من صاحب الحق سقط الضمان إلا أن يقيد الإذن به ، فما لم يقيد الإذن بالضمان لا يجب ، فلذا قلنا بوجوب الجزاء إذا اضطر المحرم إلى قتل الصيد لمأكله عند عدم صياله لتقيد الإذن فيه بالكفارة ، وهو قوله تعالى { فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية } الآية .

( قوله : بخلاف الجمل الصائل فإنه لا إذن من صاحب الحق ) فيضمنه له . وطولب بالفرق بينه وبين العبد إذا صال بالسيف على إنسان فقتله المصول عليه لا يضمنه مع أنه لا إذن أيضا من مالكه . أجيب بأن العبد مضمون في الأصل حقا لنفسه بالآدمية لا للمولى ; لأنه مكلف كسائر المكلفين من أقرانه ; ألا ترى أنه لو ارتد أو قتل يقتل ، وإذا كان ضمان نفسه في الأصل له سقط بمبيح جاء من قبله وهو المحاربة ، ومالية المولى فيه وإن كانت متقومة مضمونة له فهي تبع لضمان النفس فيسقط التبع في ضمن سقوط الأصل .




الخدمات العلمية