الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              تنبيه : اختلف هل الليل أفضل من النهار؟ فرجح كلا مرجحون . وقد ألف الإمام أبو الحسين بن فارس اللغوي كتابا في التفضيل بينهما فذكر وجوها في تفضيل هذا ووجوها في تفضيل هذا .

                                                                                                                                                                                                                              الثامن : في الكلام على قوله تعالى من المسجد الحرام :

                                                                                                                                                                                                                              «من» ههنا لابتداء الغاية .

                                                                                                                                                                                                                              الزركشي رحمه الله في كتابه : «إعلام الساجد بأحكام المساجد» : المسجد لغة مفعل بالكسر اسم لمكان السجود وبالفتح اسم للمصدر» . [ ص: 16 ]

                                                                                                                                                                                                                              قال أبو زكريا الفراء : «كل ما كان على فعل يفعل كدخل يدخل ، فالمفعل منه بالفتح اسما كان أو مصدرا ، فلا يقع فيه الفرق مثل دخل مدخلا . ومن الأسماء ما ألزموها كسر العين منها : المسجد والمطلع والمغرب والمشرق وغيرها ، فجعلوا الكسر علامة للاسم ، وربما فتحه بعض العرب . وقد روي المسجد والمسجد والمطلع والمطلع» .

                                                                                                                                                                                                                              قال : «والفتح في كله جائز وإن لم نسمعه» .

                                                                                                                                                                                                                              قال في الصحاح : «والمسجد بالفتح جبهة الرجل حيث يصيبه السجود .

                                                                                                                                                                                                                              وقال أبو حفص الصقلي – بفتحتين - في كتاب تثقيف اللسان «ويقال مسجد بفتح الميم ، حكاه غير واحد ، فتحصلنا فيه على ثلاث لغات» .

                                                                                                                                                                                                                              والمسجد بكسر الميم الخمرة بضم الخاء المعجمة وهي الحصير الصغير ، قاله العسكري .

                                                                                                                                                                                                                              وأما عرفا فكل موضع من الأرض

                                                                                                                                                                                                                              لقوله صلى الله عليه وسلم : «جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا» .

                                                                                                                                                                                                                              قلت وسيأتي الكلام على هذا الحديث في الخصائص .

                                                                                                                                                                                                                              ولما كان السجود أشرف أفعال الصلاة لقرب العبد من ربه اشتق اسم المكان منه ، فقيل مسجد ، ولم يقولوا مركع . ثم إن العرف خصص المسجد بالمكان المهيأ للصلوات الخمس حتى يخرج المصلى المجتمع فيه للأعياد ونحوها ، فلا يعطى حكمه ، وكذلك الربط والمدارس فإنها هيئت لغير ذلك .

                                                                                                                                                                                                                              التاسع : في الكلام على قوله : الحرام .

                                                                                                                                                                                                                              أبو شامة : أصل الحرام المنع ، ومنه البيت الحرام ، وفلان حرام أي محرم وهو ضد الحلال ، وذلك لما منع منه المحرم مما يجوز لغيره ، ولما منع في الحرم مما يجوز في غيره من البلاد .

                                                                                                                                                                                                                              الماوردي رحمه الله في كتاب الجزية من حاويه : «كل موضع ذكر الله تعالى فيه المسجد الحرام فالمراد به الحرم ، إلا في قوله تعالى : فول وجهك شطر المسجد الحرام [البقرة : 144] فإنه أراد به الكعبة .

                                                                                                                                                                                                                              الحافظ رحمه الله تعالى : «لفظ المسجد الحرام في الأصل حقيقة الكعبة فقط ، وهو [ ص: 17 ] المعني بقوله تعالى : إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين [آل عمران : 96] ،

                                                                                                                                                                                                                              وبقوله صلى الله عليه وسلم لما سأله أبو ذر عن أول مسجد وضع في الأرض فقال : «المسجد الحرام» .

                                                                                                                                                                                                                              واستعمله بعد ذلك في المسجد المحيط بالكعبة في

                                                                                                                                                                                                                              قوله : «صلاة في المسجد الحرام بكذا وكذا صلاة» ،

                                                                                                                                                                                                                              على وجه التغليب المجازي . وفي قوله تعالى : سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام [الإسراء : 1] على قول من يقول المراد به مكة ، لأنه كان في بيت أم هانئ . وفي دور مكة والحرم حولها في قوله : ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام كل ذلك من باب التغليب المسوغ للمجاز المتوسع فيه ، وإلا لزم الاشتراك في موضع لفظ المسجد الحرام ، والمجاز أولى منه ، وكيف يقال بالاشتراك؟

                                                                                                                                                                                                                              والفهم ما تبادر عند الإطلاق إلى الكعبة ، أو إليها مع المسجد حولها ، ولا يتبادر إلى مكة كلها إلا بقرينة» . انتهى ملخصا .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية