الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              الثالث والعشرون : في الكلام على قوله تعالى : لقد رأى من آيات ربه الكبرى [النجم : 18] .

                                                                                                                                                                                                                              اللباب : «في الكبرى وجهان ، أظهرهما أنه مفعول رأى من آيات ربه حال مقدمه ، والتقدير : لقد رأى الآيات الكبرى من آيات ربه . والثاني أن «من آيات ربه» هو مفعول الرؤية ، والكبرى صفة لآيات ربه . وهذا الجمع يجوز وصفه بوصف المؤنثة الواحدة ، وحسنه هنا كونها فاصلة» .

                                                                                                                                                                                                                              الإمام الرازي : «في الكبرى وجهان : أحدهما : أنهما صفة لمحذوف تقديره لقد رأى من آيات ربه . ثانيهما : صفة لآيات ربه ، فيكون مفعول رأى محذوفا تقديره : رأى من آيات ربه الكبرى آية أو شيئا .

                                                                                                                                                                                                                              القرطبي : «ويجوز أن تكون «من» زائدة ، أي رأى آيات ربه الكبرى . وقال بعضهم : آيات ربه الكبرى هي أنه رأى جبريل عليه السلام في صورته» .

                                                                                                                                                                                                                              قال الإمام : «والظاهر أن هذه الآيات غير تلك لأن جبريل وإن كان عظيما لكن ورد في الأخبار إن لله ملائكة أعظم منه . والكبرى تأنيث الأكبر ، فكأنه تعالى قال : رأى من آيات ربه آيات هي أكبر الآيات . وروى الإمام أحمد والترمذي وصححه ، عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال : «رأى جبريل في حلة من رفرف قد ملأ ما بين السماء والأرض» . [ ص: 54 ]

                                                                                                                                                                                                                              قال الحافظ : «وبهذه الرواية يعرف المراد بالرفرف وأنه حلة ، ويؤيده قوله تعالى :

                                                                                                                                                                                                                              متكئين على رفرف خضر [الرحمن : 76] . وأصل الرفرف ما كان من الديباج رقيقا حسن الصفة . ثم اشتهر استعماله في الستر ، وكل ما فضل من شيء وعطف وثني فهو رفرف» .

                                                                                                                                                                                                                              القرطبي : «هو ما رأى تلك الليلة في مسراه في عوده وبدئه وهذا أحسن» .

                                                                                                                                                                                                                              قال الإمام : «وهذه الآية تدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ير الله تعالى ليلة المعراج وإنما رأى آيات الله تعالى وفيه خلاف ، ووجه الدلالة أنه تعالى ختم قصة المعراج ها هنا برؤية الآيات وقال سبحانه وتعالى : سبحان الذي أسرى بعبده ليلا [الإسراء : 1] إلى أن قال : لنريه من آياتنا ولو كان رأى ربه لكان ذلك أعظم ما يمكن ، فكانت الآية للرؤية ، وكان أكبر شيء هو الرؤية» .

                                                                                                                                                                                                                              ابن كثير : «وبهاتين الآيتين استدل من ذهب من أهل السنة إلى أن الرؤية تلك الليلة لم تقع لأنه قال : لقد رأى من آيات ربه الكبرى ولو كان رأى ربه لأخبر بذلك ، ولقال ذلك للناس» .

                                                                                                                                                                                                                              خاتمة : اشتملت هذه الآيات على قسمه تعالى على هداية نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، وتنزيهه عن الهوى وصدقه فيما تلا ، وأنه وحي يوحى ، يوصله إليه جبريل الشديد القوي عن الله تبارك وتعالى العلي الأعلى ، واحتوت أيضا على تزكية جملته صلى الله عليه وسلم وعصمته من الارتياب في هذا المسرى ، ثم أخبر تعالى فيها عن فضيلته بقصة الإسراء وانتهائه إلى سدرة المنتهى ، وتصديق بصره فيما روي أنه رأى من آيات ربه الكبرى . [ ص: 55 ]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية