الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              الباب الرابع : في بدء الأذان وبعض ما وقع فيه من الآيات

                                                                                                                                                                                                                              روى الشيخان والترمذي والنسائي عن ابن عمر ، وابن إسحاق ، وإسحاق بن راهويه ، وأبو داود بسند صحيح صححه النووي عن محمد بن عبد الله بن زيد بن ثعلبة بن عبد ربه ، عن أبيه ، وأبو داود بسند صحيح عن ابن عمر عن أنس بن مالك عن عمومة له من الأنصار رضي الله عنهم ، وإسحاق بن راهويه عن الشعبي مرسلا بسند حسن ، وعبد الرزاق وأبو داود عن عبيد بن عمير أحد كبار التابعين ، وابن أبي شيبة ، وأبو داود ، وابن خزيمة ، وأبو الشيخ ، والدارقطني ، والبيهقي ، والطحاوي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : "حدثنا أصحابنا- ولفظ ابن أبي شيبة وابن خزيمة والطحاوي والبيهقي : حدثنا ، أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم- حين قدم المدينة إنما كان يجمع للصلاة حين مواقيتها بغير دعوة ، فلما كثر الناس اهتم النبي صلى الله عليه وسلم كيف يجمع الناس للصلاة؟ فاستشار الناس ، فقيل له : انصب راية عند حضور الصلاة ، إذا رأوها أعلم بعضهم بعضا ، وذكر له القنع ، يعني شبور اليهود ، وفي لفظ : البوق ، وفي لفظ : القرن الذي يدعون به لصلاتهم ، فلم يعجبه ذلك وقال : "هو من أمر اليهود" ، فذكر له الناقوس فقال : "هو من أمر النصارى" ، فقالوا : لو رفعنا نارا ، فقال : "ذلك للمجوس" .

                                                                                                                                                                                                                              وفي حديث عمر عند الشيخين وغيرهما : فقال عمر : "أولا تبعثون رجلا ينادي بالصلاة" ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "يا بلال قم فناد بالصلاة" .

                                                                                                                                                                                                                              فانصرف عبد الله بن زيد ، وهو مهتم لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأري الأذان في منامه . قال : طاف بي وأنا نائم رجل عليه ثوبان أخضران يحمل ناقوسا في يده ، فقلت له : يا عبد الله أتبيع هذا الناقوس؟ قال : وما تصنع به؟

                                                                                                                                                                                                                              قال : قلت : ندعو به إلى الصلاة . قال : أفلا أدلك على ما هو خير من ذلك؟ قلت : بلى . فقال : [ ص: 352 ] تقول : "الله أكبر ، الله أكبر-
                                                                                                                                                                                                                              وفي لفظ الشعبي : إيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فمره أن يقول : - الله أكبر ، الله أكبر- أشهد ألا إله إلا الله ، أشهد ألا إله إلا الله ، أشهد أن محمدا رسول الله ، أشهد أن محمدا رسول الله ، حي على الصلاة ، حي على الصلاة ، حي على الفلاح ، حي على الفلاح ، الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلا الله" - وفي رواية إسحاق بن راهويه : فقام على جذم حائط ، وفي رواية : فقام على المسجد فأذن- قال : ثم استأخر عني غير بعيد ثم قال : تقول إذا أقيمت الصلاة : الله أكبر ، الله أكبر ، أشهد ألا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله ، حي على الصلاة ، حي على الفلاح ، قد قامت الصلاة ، قد قامت الصلاة ، الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلا الله" . وفي رواية : "فأذن ثم قعد قعدة ، ثم قام فقال مثلها إلا أنه يقول : قد قامت الصلاة ، فلما أصبحت ، أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بما رأيت ، ولولا أن يقول الناس ، لقلت إني كنت يقظانا غير نائم" .

                                                                                                                                                                                                                              وفي حديث ابن عمر رضي الله عنه عند ابن ماجه أن عبد الله بن زيد أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلا . وفي حديثه أيضا عند ابن سعد "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد أن يجعل شيئا يجمع به الناس للصلاة ، فذكر عنده البوق وأهله فكرهه ، وذكر الناقوس وأهله فكرهه ، حتى أري رجل من الأنصار يقال له عبد الله بن زيد الأذان ، وأريه عمر بن الخطاب تلك الليلة ، فأما عمر رضي الله عنه فقال : إذا أصبحت أخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأما الأنصاري فطرق رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلا فأخبره . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إنها لرؤيا حق إن شاء الله تعالى" . وفي رواية : "لقد أراك الله خيرا ، فقم مع بلال فألق عليه ما رأيت" . وفي رواية "فمر بلالا فليؤذن ، فإنه أندى منك صوتا" فقمت مع بلال فجعلت ألقيه عليه ويؤذن به . فسمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فخرج يجر رداءه وهو يقول : "والذي بعثك بالحق يا رسول الله لقد رأيت مثل الذي رأى" .

                                                                                                                                                                                                                              وفي حديث أبي عمير بن أنس أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان رآه فكتمه عشرين يوما . وفي حديث عبيد بن عمير : "فبينما عمر بن الخطاب يريد أن يشتري خشبتين للناقوس إذ رأى في المنام : "لا تجعلوا الناقوس بل أذنوا" ، فذهب عمر ليخبر النبي صلى الله عليه وسلم بالذي رأى ، وقد جاء الوحي فما راع عمر إلا بلال يؤذن . قال عبد الله بن زيد : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر : "ما منعك أن تخبرني" ؟ فقال : سبقني عبد الله بن زيد فاستحييت . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "فلله الحمد فذلك ثبت" .

                                                                                                                                                                                                                              قال الزهري ، ونافع بن جبير ، وابن المسيب : وبقي [ ص: 353 ] ينادي في الناس : "الصلاة جامعة" . للأمر يحدث فيحضرون له يخبرون به ، وإن كان في غير وقت صلاة . وروى ابن ماجه عن شيخه أبي عبيد محمد بن عبيد بن ميمون المدني قال :

                                                                                                                                                                                                                              أخبرني أبو بكر الحكمي إن عبد الله بن زيد قال في ذلك شعرا


                                                                                                                                                                                                                              أحمد الله ذا الجلال والإ كرام حمدا على الأذان كثيرا     إذ أتاني به البشير من الل
                                                                                                                                                                                                                              هـ فأكرم به لدي بشيرا     في ليال والى بهن ثلاث
                                                                                                                                                                                                                              كلما جاء زادني توقيرا

                                                                                                                                                                                                                              قال الحافظ ابن كثير : "وهذا الشعر غريب ، وهو يقتضي أنه رأى ذلك ثلاث ليال حتى أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم" . قلت : سنده منقطع ، وأبو بكر الحكمي مجهول . وروى البيهقي في "الدلائل" عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : كان رجل من اليهود تاجرا إذا سمع المنادي ينادي بالأذان قال : "أحرق الله الكاذب" . فبينما هو كذلك ، إذ دخلت جارية بشعلة من نار فطارت شرارة منها في البيت فأحرقته . وروى ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ عن السدي قال : "كان رجل من النصارى إذا سمع المنادي ينادي : أشهد أن محمدا رسول الله قال : أحرق الله الكاذب : فدخلت خادمة ذات ليلة من الليالي بنار وهو نائم وأهله نيام فأحرقت البيت واحترق هو وأهله" .

                                                                                                                                                                                                                              وروى مسلم عن سهيل بن أبي صالح قال : أرسلني أبي إلى بني حارثة ومعي غلام لنا [أو صاحب لنا] فناداه مناد من حائط باسمه ، فأشرف [الذي معي] على الحائط ، فلم ير شيئا ، فذكرت ذلك لأبي ، فقال : [لو شعرت أنك تلقى هذا لم أرسلك ، ولكن] إذا سمعت صوتا فناد بالصلاة ،

                                                                                                                                                                                                                              فإني سمعت أبا هريرة يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : "إن الشيطان إذا نودي بالصلاة ولى وله حصاص" .

                                                                                                                                                                                                                              وروى البيهقي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال : "إذا تغولت لأحدكم الغيلان فليؤذن ، فإن ذلك لا يضره" . وروى البيهقي عن الحسن أن عمر بعث رجلا إلى سعد بن أبي وقاص ، فلما كان ببعض الطريق عرضت له الغول ، فأخبر سعدا فقال :

                                                                                                                                                                                                                              "إنا كنا نؤمر إذا تغولت لنا الغول أن ننادي بالأذان" . فلما رجع إلى عمر عرض له أن يسير معه ، فنادى بالأذان ، فذهب عنه ، فإذا سكت عرض له ، فإذا أذن ذهب عنه .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية