الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( ولو ) ( ترافع إلينا ) في نكاح ، أو غيره ( ذمي ) ، أو معاهد ( ومسلم ) ( وجب ) علينا ( الحكم ) بينهما جزما ( أو ذميان ) كيهوديين ، أو نصرانيين أو ذمي ومعاهد ( وجب ) الحكم بينهما ( في الأظهر ) قال تعالى { وأن احكم بينهم بما أنزل الله } وهي ناسخة كما صح عن ابن عباس رضي الله عنهما لقوله { ، أو أعرض عنهم } .

                                                                                                                            لأنه يجب على الإمام منع الظالم عن الذمي كالمسلم .

                                                                                                                            والثاني وعليه جمع لا يجب بل يتخير لقوله تعالى { ، أو أعرض عنهم } ورد بما مر ، أو تحمل الآية الأولى على أهل الذمة والثانية على المعاهدين ، إذ لا يجب الحكم بينهم على المذهب لعدم التزامهم أحكامنا ولم نلتزم دفع بعضهم عن بعض ، وهو أولى من النسخ أما بين يهودي ونصراني فيجب جزما ، وحيث وجب الحكم بينهم لم يشترط رضا الخصمين بل رضا أحدهما ، وحينئذ يجب الإعداء ، والحضور وطلبه رضا ، وأفهم كلامه أنه لو ثبت على أحدهما شيء استوفيناه وبه صرح البغوي ، فلو أقر ذمي بزنا أو سرقة مال ولو لذمي حددناه .

                                                                                                                            نعم لو ترافع أهل الذمة إلينا في شرب الخمر لم يحدوا وإن رضوا بحكمنا لعدم اعتقادهم تحريمه كما قاله الرافعي في باب حد الزنا وأسقطه من الروضة ، ولأن الخمر أسهل لأنها أحلت وإن أسكرت في ابتداء ملتنا ، ونحو الزنا لم يحل في ملة قط ، فمن ثم استثنى الخمر مما تقرر ، وإحضاره التوراة لرجم الزانيين إنما هو لتكذيب ابن صوريا اللعين في قوله ليس فيها رجم لا لرعاية اعتقادهم ، ولا يشكل على ما تقرر حد الحنفي بشرب ما لا يسكر لأن من عقيدته أن العبرة بمذهب الحاكم المترافع إليه مع التزامه لقواعد الأدلة الشاهدة بضعف رأيه فيه ولا كذلك هم ، وفهم مما تقرر عدم لزوم الحكم لنا بين حربيين ، أو حربي ومعاهد ، والظاهر كما قاله [ ص: 301 ] الأذرعي أنه لو عقدت الذمة لأهل بلدة في دار الحرب فهم كالمعاهدين إذ لا يلزمنا الدفع عنهم فكذا الحكم بينهم ( ونقرهم ) أي الكفار فيما ترافعوا فيه إلينا ( على ما نقرهم ) عليه ( لو أسلموا ونبطل ما لا نقرهم ) عليه لو أسلموا ، ختم بهذا مع تقدم كثير من صوره لأنه ضابط صحيح يجمعها وغيرها فنقرهم على نحو نكاح عري عن ولي وشهود لا على نحو نكاح محرم ، بخلاف ما لو علمناه فيهم ولم يترافعوا إلينا فيه فلا نتعرض لهم .

                                                                                                                            ولو جاءنا من تحته أختان لطلب فرض النفقة مثلا أعرضنا عنه ما لم يرض بحكمنا فنأمره باختيار إحداهما ، ويجيبهم حاكمنا في تزويج كتابية لا ولي لها بشهود منا ، ولو تحاكموا إلينا بعد القبض في بيع فاسد ، أو قبله وقد حكم حاكمهم بإمضائه لم نتعرض له وإلا نقضناه ، كذا أطلقوه ، ويشكل عليه ما مر في نحو النكاح المؤقت ، أو بشرط نحو الخيار من النظر لاعتقادهم وإن لم يحكم به حاكمهم ، فالأقرب أن المراد بحكم حاكمهم هنا اعتقادهم ، فإن اعتقدوه صحيحا لم نتعرض له وإلا نقضناه وفسد ، فالحاصل كما يعلم من هذا مع ما مر من الفرق بين الخمر وغيره أنهم متى نكحوا نكاحا ، أو عقدوا عقدا مختلا عندنا لم نتعرض لهم ، ثم إن ترافعوا إلينا فيه ، أو في شيء من آثاره وعلمنا اشتماله على المفسد نظرنا ، فإن كان سبب الفساد منقضيا أثره عند الترافع كالخلو عن الولي والشهود وكمقارنته لعدة انقضت وغير ذلك من كل مفسد انقضى وكانت بحيث تحل له عند الترافع أقررناهم وإن كانت بحيث لا تحل له عنده فإن قوي المانع كنكاح أمة بلا شروطها ومطلقة ثلاثا قبل التحليل لم ينظر لاعتقادهم وفرقنا بينهم احتياطا لرق الولد وللبضع ، ومنه فيما يظهر عدم الكفاءة دفعا للعار وإن ضعف كمؤقت ومشروط فيه نحو خيار ونكاح مغصوبة نظرنا لاعتقادهم فيه .

                                                                                                                            لا يقال : هم مكلفون بالفروع فلم لم نؤاخذهم بها مطلقا .

                                                                                                                            لأنا نقول : ذاك إنما هو بالنظر لعقابهم عليها في الآخرة وما نحن فيه إنما هو بالنسبة لأحكام الدنيا ، والأوجه أنه ليس لنا البحث عن اشتمال أنكحتهم على مفسد أولا لأن الأصل في أنكحتهم الصحة كأنكحتنا .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : وحينئذ يجب الإعداء ) أي الطلب ( قوله وطلبه رضا ) أي بالحكم ( قوله : ولو لذمي حددناه ) أي بما يترتب عليه الزنا والسرقة من الجلد والتغريب ، أو الرجم ، أو القطع وغرم المال ( قوله : وإحضاره التوراة ) أي النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 301 ] قوله : فالأقرب أن المراد بحكم حاكمهم هنا اعتقادهم ) صريح في أنهم إذا ترافعوا إلينا في عقد فاسد عندنا وصحيح عندهم لا نتعرض لهم حيث كان المفسد منقضيا عند الإسلام ، ومنه ما لو كان الفساد لعدم الصيغة ، أو لعدم الرؤية لأن ذلك منقض عند الترافع ، وما ترافعوا فيه يصح ابتداء العقد عليه الآن وقد اعتقدوا صحته قبل فأشبه ما لو ترافعوا إلينا في نكاح بلا ولي ولا شهود ( قوله : لم نؤاخذهم بها مطلقا ) أي ترافعوا إلينا أم لا .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : والثانية على المعاهدين ) أي إذا لم يكن ترافعهم مع مسلم أو ذمي بقرينة ما مر [ ص: 301 ] قوله : مع تقدم كثير من صوره ) قد يمنع أن الذي مر من صور هذا الضابط ; لأن تلك الصور فيمن أسلم منهم ، وهذا الضابط فيما إذا ترافعوا إلينا في حال الكفر .

                                                                                                                            واستغنى المصنف عن إعادة تلك الصور هنا بهذا الضابط الذي حاصله أن حكمهم إذا ترافعوا إلينا كحكمهم إذا أسلموا فيما يقرون عليه وما لا فلا ( قوله : لا ولي لها ) أي فيزوجها الحاكم بالولاية العامة ( قوله : والأوجه أنه ليس لنا البحث عن اشتمال أنكحتهم على مفسد أو لا ) أي ليس لنا ذلك بعد الترافع ، والمراد أنا لا نبحث عن اشتمالها على مفسد ثم ننظر في ذلك المفسد هل هو باق فننقض العقد أو زائل فنبقيه ، فما مر من أنا ننقض عقده المشتمل على مفسد غير زائل محله إذا ظهر لنا ذلك من غير بحث وإلا فالبحث ممتنع علينا ونحكم بالصحة مطلق . ا هـ . كذا ظهر فليتأمل ( قوله : لأن الأصل في أنكحتهم إلخ ) الموافق لما مر في التحالف في البيع ; لأن الظاهر في أنكحتهم إلخ




                                                                                                                            الخدمات العلمية