الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            و ( له ) أي الوارث ومثله موصى له برقبته دون منفعته ( إعتاقه ) يعني القن الموصى بمنفعته كما بأصله ولو مؤبدا ; لأنه خالص ملكه .

                                                                                                                            نعم إعتاقه عن الكفارة ممتنع ، ومثل ذلك إعتاقه عن النذر بناء على أنه يسلك به مسلك واجب الشرع كما قاله الأذرعي ، وسواء في ذلك أكانت الوصية موقتة بمدة قريبة أم لا كما شمله كلامهم خلافا للأذرعي ، وكذا كتابته لعجزه عن الكسب والوصية بحالها بعد العتق ومؤنته في بيت المال وإلا فعلى مياسير المسلمين ( وعليه ) أي الوارث ومثله الموصى له برقبته ( نفقته ) يعني مؤنة الموصى بمنفعته قنا كان أو غيره ، ومنها فطرة القن ( إن أوصي ) بالبناء للمفعول وهو الأحسن ويصح للفاعل وحذف للعلم به أي إن أوصى الموصي ( بمنفعته مدة ) ; لأنه مالك الرقبة والمنفعة فيما عدا تلك المدة وفيما إذا أوصى بمنفعة عبد أو دار سنة تحمل على السنة الأولى لقولهم لو أوصى بمنفعته [ ص: 87 ] سنة ثم أجره سنة ومات فورا بطلت الوصية ; لأن المستحق منفعة السنة الأولى وقد فوتها ، وعلى تعين الأولى لو كان الموصى له غائبا عند الموت وجب له إذا قبل تلك الوصية بدل منفعة تلك السنة التي تلي الموت وإن تراخى في القبول عنها ; لأن به يتبين استحقاقه من حين الموت كما علم مما مر على من استولى عليها من وارث أو غيره كما هو ظاهر وإن قيل بفوات حقه بغيبته وإن له سنة من حين المطالبة ( وكذا أبدا في الأصح ) ; لأنه ملكه وهو متمكن من دفع الضرر عنه بإعتاق أو غيره . والثاني أنها على الموصى له ; لأنه مستوفى المنفعة فهو كالزوج وعلف الدابة كنفقة الرقيق ، وأما سقي البستان الموصى بثمره فإن تراضيا عليه أو تبرع به أحدهما فظاهر وليس للآخر منعه ، وإن تنازعا لم يجبر واحد منهما ، بخلاف النفقة لحرمة الروح ، وأفتى صاحب البيان بأنه وإن عتق ينسحب عليه حكم الأرقاء لاستغراق منافعه على الأبد ، بخلاف المستأجر لانتهاء ملك منافعه ، واعتمده الأصبحي وخالفهما أبو شكيل والبستي فقالا له حكم الأحرار ، ورجح بعض المتأخرين الثاني بأنه أوفق لإطلاق الأئمة إذ لم يعد أحد من موانع نحو الإرث والشهادة استغراق المنافع ا هـ .

                                                                                                                            فقول الهروي تلزمه الجمعة يحتمل كلا من الرأيين ، أما الأول فواضح وأما الثاني فهو لاستغراق منافعه إن كان حرا ، ومحله إن زاد اشتغاله بها على قدر الظهر وإلا لزمته ولم يكن لمالك منافعه منعه منها كالسيد مع قنه ( وبيعه ) أي الموصى بمنفعته فهو مضاف للمفعول وحذف فاعله وهو الوارث للعلم به ، ويصح عود الضمير للوارث السابق فهو مضاف للفاعل ( إن لم يؤبد ) بالبناء للفاعل وحذف للعلم به : أي الموصي المنفعة ، وللمفعول : أي إن لم تؤبد الوصية بمنفعته ( ك ) بيع الشيء ( المستأجر ) فيصح البيع ولو لغير الموصى له ، وشمل ما لو كانت المدة مجهولة وطريق الصحة حينئذ ما ذكره في اختلاط حمام البرجين مع الجهل ( وإن أبد ) المنفعة ولو بإطلاقها لما مر أنه يقتضي التأبيد ( فالأصح أنه يصح بيعه للموصى له دون غيره ) إذ لا فائدة لغيره فيه أي فائدة ظاهرة ، ومحل المنع إذا لم يجتمعا على البيع من غيرهما ، فإن اجتمعا فالقياس الصحة لوجود الفائدة حينئذ ، ولم ينظروا هنا لفائدة الإعتاق كالزمن ; لأنه لم يحل بين المشتري وبين منافعه ، وهنا الموصى له لما استحق جميع منافعه على التأبيد صار حائلا بينه وبين مريد شرائه فلم يصح كما علم مما مر في ثالث شروط [ ص: 88 ] البيع والثاني يصح مطلقا لكمال الرقبة فيه .

                                                                                                                            والثالث لا يصح مطلقا لاستغراق المنفعة بحق الغير ، ولو أراد صاحب المنفعة بيعها فالظاهر صحتها من غير الوارث أيضا كما اقتضاه تعليلهم خلافا للدارمي ومن تبعه ، وإذا لم يصح بيعه إلا للموصى له فأسلم القن والموصى له والوارث كافران ، فالأوجه أنه يحال بينهما وبينه ويستكسب عند مسلم ثقة للموصى له ، ولا يجبران على بيعه لثالث ; لأنه لا يدري ما يخص كلا من الثمن ، ولا يشكل على ما تقرر من صحة بيعهما لثالث ما مر من أنهما لو باع عبديهما لثالث لم يصح وإن تراضيا لوضوح الفرق بينهما ، وهو أن كلا من القنين مثلا مقصود لذاته ، فقد يقع النزاع بينهما في التقويم لا إلى غاية ، بخلاف أحد المبيعين هنا فإنه تابع فسومح فيه ، ولو أوصى بمنفعة مسلم لكافر فظاهر كلام بعضهم صحة الوصية ، وعليه فيجبر على نقلها المسلم كما لو استأجر كافر مسلما عينا ، وقد يفهم كلامه عدم صحة بيع الموصى له بالمنفعة المؤبدة للوارث وهو كذلك كنظيره المار في بيع حق نحو البناء أو المرور ، ولو أوصى بأمة لرجل وبحملها لآخر فأعتقها مالكها لم يعتق الحمل ; لأنه لما انفرد بالملك صار كالمستقل أو بما تحمله فأعتقها الوارث وتزوجت ولو بحر فأولادها أرقاء .

                                                                                                                            كما نقله الزركشي عن بعضهم وأفتى الوالد رحمه الله تعالى ; لأن تعلق حق الموصى له بالحمل يمنع سريان العتق إليه فيبقى على ملكه ، وإن ادعى الزركشي أن الصواب انعقادهم أحرارا ، ويغرم الوارث قيمتهم ; لأنه بالإعتاق فوتهم على [ ص: 89 ] الموصى له إذ مدعاه عجيب مع قولهم الآتي بالعتق إنه لو كان الحمل لغير المعتق بوصية أو غيرها لم يعتق بعتق الأم ولو قتل الموصى بمنفعته قتلا يوجب القصاص فاقتص الوارث من قاتله انتهت الوصية كما لو مات أو انهدمت الدار وبطلت منفعتها ، فإن وجب مال بعفو أو بجناية توجبه اشترى به مثل الموصى بمنفعته ، ولو كانت الجناية من الوارث أو الموصى له ولو قطع طرفه فالأرش للوارث ; لأن الموصى به باق منتفع به ومقادير المنفعة لا تنضبط ; ولأن الأرش بدل بعض العين ، وإن جنى عمدا اقتص منه ، أو خطأ أو شبه عمد أو عفا على مال تعلق برقبته وبيع في الجناية إن لم يفدياه ، فإن زاد الثمن على الأرش اشتري بالزائد مثله ، وإن فدياه أو أحدهما أو غيرهما عاد كما كان ، وإن فدى أحدهما نصيبه فقط بيع في الجناية نصيب الآخر ( و ) الأصح ( أنه تعتبر قيمة العبد ) مثلا ( كلها ) أي مع منفعته ( من الثلث إن أوصى بمنفعته أبدا ) أو مدة مجهولة ; لأنه حال بينها وبين الوارث .

                                                                                                                            ولتعذر تقويم المنفعة بتعذر الوقوف على آخر عمره فيتعين تقويم الرقبة مع منفعتها ، فإن احتملها الثلث لزمت الوصية في الجميع وإلا ففيما يحتمله ، فلو ساوى العبد بمنافعه مائة وبدونها عشرة اعتبرت المائة كلها من الثلث ، فإن وفى بها فواضح وإلا كأن لم يف إلا بنصفها صار نصف المنفعة للوارث ، والأوجه في كيفية استيفائهما أنهما يتهايآنها والثاني وخرجه ابن سريج أنه يعتبر ما نقص من قيمته إذ لا بد أن يبقى له قيمة طمعا في إعتاقه ( وإن أوصى بها مدة ) معلومة ( قوم بمنفعة ثم ) قوم ( مسلوبها تلك المدة ويحسب الناقص من الثلث ) ; لأن الحيلولة بصدد الزوال ، فإذا ساوى بالمنفعة مائة وبدونها تلك المدة تسعين فالوصية بعشرة ، فإن وفى بها الثلث فظاهر وإلا كأن وفى بنصفها فكما مر كما هو ظاهر ، ولو أوصى بالمنفعة لواحد وبالرقبة لآخر فرد الأول رجعت المنفعة للوارث فيما يظهر ، ولو أعاد الدار بآلتها عاد حق الموصى له بمنافعها .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : نعم إعتاقه عن الكفارة ممتنع ) وعليه فلو فعل عتق مجانا فيما يظهر ( قوله كما شمله كلامهم ) أي خلافا لحج حيث قال ومنه يؤخذ أنها لو أقتت بزمن قريب لا يحتاج فيه لنفقة أو بقي من المدة ما لا يحتاج فيه لذلك صح إعتاقه عنها ( قوله : وكذا كتابته ) أي ممتنعة ، وقوله لعجزه يؤخذ منه عدم صحة وقفه لعدم منفعة تترتب على الوقف فإن الموصى له يستحق جميع منافعه فلم تبق منفعة للموقوف عليه ( قوله : والوصية بحالها ) أي باقية إلخ ( قوله : تحمل على السنة الأولى ) بخلاف ما لو أوصى بخدمة عبده سنة غير معينة ، فإن تعيينها للوارث كما في الروضة ; لأنه هنا أبقى للوارث شركة في المنافع ، وكذا لو أوصى له بثمر نخله سنة ا هـ حج بالمعنى .

                                                                                                                            أقول : يشكل على صحة البيع فيما ذكر منع بيع دار استحقت المعتدة بالأقراء سكناها للجهل بمدة الاستحقاق ، ووجه الإشكال أنه إذا أوصى له بالخدمة كان الموصى به غير معلوم ; لأن الوارث ينتفع [ ص: 87 ] به في غير زمن الخدمة وكذلك مالك الدار ينتفع بها على وجه لا يؤدي إلى منع المعتدة من السكنى كوضع أمتعة في الدار لا تمنع المعتدة من السكنى ولا يترتب عليها خلوة ( قوله : ; لأن المستحق ) أي بالوصية وقوله وقد فوتها : أي بالإجارة ( قوله : على من استولى عليها ) أي فلو لم يستول عليها أحد فاتت على الموصى له فلا يستحق بدلها ( قوله : له حكم الأحرار ) معتمد ( قوله : أما الأول ) هو قوله ينسحب عليه حكم الأرقاء ، وقوله وأما الثاني هو قوله له حكم الأحرار ( قوله : وشمل ما لو كانت المدة مجهولة ) أي مدة الوصية كأن قال إلى مجيء ابني مثلا من السفر ( قوله : وطريق الصحة ) أي من البيع لثالث ، ويوزع الثمن على قيمة مسلوب المنفعة وقيمته منتفعا به ، ويدفع ما يخص المنفعة للموصى له وما بقي للوارث ، وقوله أنه : أي الإطلاق ( قوله : إذ لا فائدة لغيره ) قضية هذا التعليل أنه لو خصص المنفعة الموصى بها كأن أوصى بكسبه دون غيره صح بيعه لغير الموصى له لبقاء بعض المنفعة للوارث فتتبع الرقبة في البيع وهو ظاهر .

                                                                                                                            ( قوله : أي فائدة ظاهرة ) أي وإلا فالأكساب النادرة له وهي فائدة في الجملة ( قوله : فالقياس الصحة ) أي ويوزع الثمن بالنسبة على قيمتي الرقبة والمنفعة ، فإذا كانت قيمته بمنافعه مائة وبدونها عشرين فللمالك الرقبة خمس الثمن ولمالك المنفعة أربعة أخماسه . [ ص: 88 ] فرع ] في سم على حج : ولو أوصى أن يدفع من غلة أرضه كل سنة كذا لمسجد كذا مثلا وخرجت من الثلث لم يصح بيع بعضها وترك ما يحصل منه المعين لاختلاف الأجرة فقد يستغرقها ويكون الجميع للموصى له ا هـ ( قوله ; لأنه لا يدري ما يخص كلا إلخ ) قد يشكل هذا مع صحة البيع منهما مع جهل كل بما يخصه من الثمن وقد يجاب بأن اجتماعهما رضا منهما بالضرر المترتب على صحة البيع من التنازع ، ولا يلزم من جوازه بالاختيار الإجبار عليه ( قوله : فظاهر كلام بعضهم صحة الوصية ) وعلى هذا فيفرق بينه وبين ما لو وصى مسلم لكافر ومات الموصي والموصى له باق على كفره حيث قال الشارح : يتبين بطلان الوصية بأن إذلال المسلم بملك الكافر له أقوى من مجرد ملك المنفعة ، وقياس ما مر في الإجارة أن يكلف رفع يده عنه بإيجاره لمسلم ( قوله : وهو كذلك ) يتأمل هذا مع قوله السابق ولو أراد صاحب المنفعة بيعها إلخ ، ولم يذكر حج المسألة الأولى ، ويمكن حمل ما هنا على المؤبدة وما تقدم على خلافه .

                                                                                                                            ( قوله : ; لأنه لما انفرد بالملك إلخ ) يؤخذ منه أنه لا يشترط في عدم عتق الحمل ما ذكر من التصوير حتى لو أوصى بحمل أمة دونها ثم أعتقها لم يعتق الحمل ويبقى فيه الوصية ; لأنه صدق عليه أنه انفرد بالملك ولعل المراد بانفراده بالملك انفراده بشبهه ، أو أن المعنى أنه انفرد بالملك على تقدير تمام الوصية ( قوله : ; لأن تعلق حق الموصى له ) قياس ذلك أن يمتنع على الحر تزويجها إلا بشرط نكاح الأمة ; لأن علة منع نكاح الأمة خوف رق الولد [ ص: 89 ] وهي موجودة ا هـ سم على حج .

                                                                                                                            أقول : وهو كذلك ومن ثم قيل لنا حرة لا تنكح إلا بشروط الأمة وهي الموصى بأولادها إذا أعتقها الوارث ( قوله : قوم بمنفعته ) وينبغي أن مثله ما لو أوصى ببعض منافعه فيقوم بجميعها ثم يقوم مسلوب البعض الذي أوصى به ( قوله ولو أعاد الدار بآلتها ) أي ولو بمشقة في إعادتها ، ومفهوم قوله بآلتها أنه لو أعادها بغير آلتها لا تعود منفعة الموصى له ، وأنه لو أعادها بآلتها وغيرها لا تكون المنفعة للموصى له كذلك ، ولكن يحتمل أن تقسم المنفعة بينهما بالمحاصة في هذه . وفي حج : فرع : لو أوصى بأن يعطى خادم تربته أو أولاده مثلا كل يوم أو شهر أو سنة كذا أعطيه كذلك إن عين إعطاءه من ريع ملكه ، وإلا أعطيه اليوم الأول إن خرج من الثلث ، وبطلت الوصية فيما بعده ; لأنه حينئذ لا يعرف قدر الموصى به في المستقبل حتى يعلم أيخرج من الثلث أو لا ، ومن ذلك ما لو أوصى لوصية كل سنة بمائة دينار ما دام وصيا فيصح بالمائة الأولى إن خرجت من الثلث لا غير خلافا لمن غلط فيه ا هـ .

                                                                                                                            وقوله كما نص عليه أي النشائي .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : وفيما إذا أوصى بمنفعة عبد إلخ ) انظر ما محل هذا وكان [ ص: 87 ] الأولى تقديمه أول الفصل أو تأخيره ( قوله : على من استولى عليها ) متعلق بقوله بدل ( قوله : وعلف الدابة إلخ ) أي كما علم من قوله السابق قنا كان أو غيره إلخ ( قوله : وطريق الصحة حينئذ ما ذكروه في اختلاط حمام البرجين ) [ ص: 88 ] أي فيباعان لثالث ( قوله : وهو كذلك ) يناقض ما قدمه قريبا في قوله ولو أراد صاحب المنفعة بيعها فالظاهر صحتها من غير الوارث أيضا كما اقتضاه تعليلهم خلافا للدارمي ، وهو تابع فيما ذكره هنا للشهاب حج الموافق للدارمي بعد ما صرح بمخالفته فيما مر ، وكتب الشهاب سم على كلام الشارح حج ما لفظه : نقل ذلك في شرح الروض عن حكاية الزركشي له عن جزم الدارمي ، ولك أن تقول : إنما لم يصح بيع الرقبة من غير الموصى له لعدم الانتفاع بها وحدها والمنفعة ينتفع بها باستيفائها ، فالمتجه صحة بيعها من غير الوارث أيضا .

                                                                                                                            فإن قلت : هي مجهولة لعدم العلم بقدر مدتها .

                                                                                                                            قلت : لو أثر هذا لامتنع بيع رأس الجدار أبدا مع أنه صحيح ولا يملك به عين إلخ ما ذكره رحمه الله تعالى .




                                                                                                                            الخدمات العلمية