الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( ومنها أن ) ( ينتفع بها ) بعد أخذها لا بنية ذلك ( بأن يلبس ) نحو الثوب أو يجلس عليه مثلا ( أو يركب ) الدابة : أو يطالع في الكتاب كما قاله المتولي ( خيانة ) بخاء معجمة أي لا لعذر فيضمن لتعديه بخلافه لدفع نحو الدود مما مر ، وبخلاف نحو الخاتم إذا لبسه الرجل في غير الخنصر فإنه لا يعد استعمالا له .

                                                                                                                            نعم يجب تقييده بمن لم يقصد به الاستعمال وبمن لم يعتد اللبس في غيره كما يفعله كثير من العامة لا إن قصد بلبسها فيها الحفظ فلا يضمن .

                                                                                                                            وقضيته تصديقه في دعواه أنه لبسها للحفظ ، لكن قد يقال قياس ما مر فيما إذا اختلفا في وقوع الخوف تصديق المالك ويفرق بأن القصد لا يعلم إلا منه ، بخلاف وقوع الخوف ، وغير الخنصر للمرأة كالخنصر ، والخنثى ملحق بالرجل في أوجه احتمالين إذا لبسه في غير خنصره ; لأن الأصل عدم الضمان ، فإن أمره بوضعه في خنصره فجعله في بنصره لم يضمن ; لأنه أحرز لكونه أغلظ إلا إن جعله في أعلاه أو في أوسطه كما قاله القاضي أبو الطيب وغيره ، أو انكسر لغلظ البنصر ضمن ; لأن أسفل الخنصر أحفظ من أعلى البنصر ووسطه في غير الأخيرة وللمخالفة في الأخيرة ، وإن قال اجعله في البنصر فجعله في الخنصر فإن كان لا ينتهي إلى أصل البنصر فالذي فعله أحرز فلا ضمان وإلا ضمن .

                                                                                                                            وقال الروياني : لو قال احفظه في بنصرك فحفظه في خنصره ضمن ; لأنه إذا أمكن لبسه في البنصر كان في الخنصر واسعا انتهى .

                                                                                                                            ويؤخذ من تعليله أن ما قاله جرى على الغالب فلا ينافي ما قبله ، ولو قال : احفظ هذا في يمينك فجعله في يساره ضمن ، وبالعكس لا يضمن ; لأن اليمين أحرز ; لأنها تستعمل غالبا نقله العجلي .

                                                                                                                            قال الأذرعي : لكن لو هلك للمخالفة ضمن قال : وقضية ما قاله أنه لو كان أعسر انعكس الحكم ، وأنه لو كان يعمل بهما على السواء كانا سواء ، ولا يرد على المصنف ما لو استعملها ظانا كونها ملكه فإن ضمانها مع عدم الخيانة معلوم من كلامه في الغصب ، فإن لم يستعملهما لم يضمنها ، وقول الإسنوي : ظن الملك عذرا إنما هو بالنظر لعدم الإثم لا للضمان ; لأنه يجب حتى مع الجهل والنسيان ( أو ) بأن ( يأخذ الثوب ) مثلا ( ليلبسه أو الدراهم لينفقها فيضمن ) المثلي بمثله إن تلف ، والمتقوم بأقصى قيمة وأجرة المثل إن مضت مدة لمثلها أجرة ، وإن لم يلبس وينفق ; لأن العقد أو القبض لما اقترن بنية التعدي صار كقبض الغاصب وخرج بقوله الدراهم أخذ بعضها كدرهم فيضمنه فقط ما لم يفض ختما أو يكسر قفلا ويضمن الوعاء كصندوق .

                                                                                                                            [ ص: 129 ] أيضا في أوجه الوجهين ، وإذا رد المأخوذ لم يزل عنه ضمانه حتى لو تلف الجميع ضمن درهما أو النصف ضمن نصف درهم ولا يضمن الباقي بخلطه به وإن لم يتميز ، بخلاف رد بدله إن لم يتميز ; لأنه ملكه فجرى فيه ما لو خلطها بماله ومثل المصنف بمثالين أولهما لنية الإمساك والأخذ ، وثانيهما لنية الإخراج .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : لا بنية ذلك ) أي الانتفاع المأخوذ من ينتفع ( قوله : ووسطه في غير الأخيرة ) هي قوله أو انكسر لغلظ إلخ ( قوله : فإن كان لا ينتهي ) أي بأن كان ضيقا ( قوله : فلا ينافي ما قبله ) هو قوله فإن كان لا ينتهي ( قوله : وقضية ما قاله إلخ ) معتمد وقوله وأنه لو كان يعمل بهما إلخ معتمد أيضا ، وقوله فإن ضمانها إلخ معتمد أيضا ( قوله فيضمنه فقط ) أي ما لم يترتب على أخذه تلف لباقيها كأن أعلم السارق بها عند إخراجها وأخذ الدرهم منها ، وكالوديعة ما لو سأله إنسان في شراء متاع له ودفع له دراهم ثم ضاعت فيأتي فيها [ ص: 129 ] هذا التفصيل .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : لا بنية ذلك ) أي لا بنية الانتفاع وإلا صار ضامنا بنفس الأخذ ( قوله : وغير الخنصر للمرأة كالخنصر ) يشمل نحو السبابة مع أنه لا يعتاد اللبس فيها للنساء أصلا فليراجع ( قوله : وأجرة المثل ) في مسألة اللبس فقط كما هو ظاهر




                                                                                                                            الخدمات العلمية