الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( وكنايته ) أي الطلاق ألفاظ كثيرة بل [ ص: 431 ] لا تنحصر ( كأنت خلية ) أي من الزوج فعيلة بمعنى فاعلة ( برية ) أي منه ( بتة ) أي مقطوعة الوصلة إذ البت القطع وتنكير هذا لغة ، والأشهر أنه لا يستعمل إلا معرفا بأل مع قطع الهمزة ( بتلة ) أي متروكة النكاح ومنه { نهي عن التبتل } ومثلها مثلة من مثل به جدعه ( بائن ) من البين وهو الفرقة وإن زاد بعده بينونة لا تحلين بعدها لي أبدا كما مر ( اعتدي استبرئي رحمك ) ولو لغير موطوءة طلقت نفسي ( الحقي ) بكسر ثم فتح ويجوز عكسه ( بأهلك ) أي لأني طلقتك ( حبلك على غاربك ) أي خليت سبيلك كما يخلى البعير بإلقاء زمامه في الصحراء على غاربه وهو ما تقدم من الظهر وارتفع من العنق ( لا أنده ) أي أزجر ( سربك ) بفتح فسكون وهو الإبل وما يرعى من المال : أي تركتك لا أهتم بشأنك .

                                                                                                                            أما بكسر فسكون فهو قطيع الظباء وتصح إرادته هنا أيضا ( اعزبي ) بمهملة فمعجمة : أي تباعدي عني ( اغربي ) بمعجمة فراء أي صيري غريبة أجنبية مني ( دعيني ) أي اتركيني ( ودعيني ) بتشديد الدال من الوداع أي لأني طلقتك ( ونحوها ) من كل ما يشعر بالفرقة إشعارا قريبا ك تجردي تزودي اخرجي سافري تقنعي تستري برئت منك الزمي أهلك لا حاجة لي فيك أنت وشأنك أنت ولية نفسك وسلام عليك وكلي واشربي خلافا لمن وهم فيهما وأوقعت الطلاق في قميصك أو بارك الله لك لا فيك ، وسيأتي أن أشركتك مع فلانة وقد طلقت منه أو من غيره وأنا منك طالق أو بائن كناية وخرج بنحوها نحو قومي أغناك الله أحسن الله جزاك اعزلي اقعدي ، ولو قالت له أنا مطلقة فقال ألف مرة كان كناية في الطلاق والعدد فيما يظهر ، فإن نوى الطلاق وحده أو العدد وقع ما نواه أخذا من قول الروضة وغيرها في أنت واحدة أو ثلاث إنه كناية ، ومثله ما لو قيل له هل هي طالق فقال ثلاثا كما يأتي قبيل آخر الفصل من هذا الباب ، ويفرق بينه وبين قوله طالق [ ص: 432 ] حيث لا يقع به شيء ، وإن نوى أنت بأنه لا قرينة هنا لفظية على تقديرها ، والطلاق لا يكفي فيه محض النية ، بخلاف مسألتنا فإن وقوع كلامه جوابا لكلامها يؤيد صحة نيته به ما ذكر فلم تتمحض النية للإيقاع وكطالق ما لو طلقها رجعيا ثم قال جعلتها ثلاثا فلا يقع به شيء وإن نوى على الأصح ( والإعتاق ) أي كل لفظ له صريح أو كناية ( كناية طلاق وعكسه ) أي كل لفظ للطلاق صريح أو كناية كناية ثم لدلالة كل منهما على إزالة ما يملك ، نعم أنا منك حر أو أعتقت نفسي لعبد أو أمة واستبرئي رحمك لعبد لغو وإن نوى لعدم تصور معناها فيه بخلاف نظائرها هنا إذ على الزوج حجر من جهتها ، والحاصل أن الزوجية تشملهما والرق يختص بالمملوك .

                                                                                                                            وبحث الخبستاني في نحو تقنع وتستر لعبد أنه ليس بكناية لبعد مخاطبته به عادة ، والأذرعي في نحو أنت لله ويا مولاي عدم كونه كناية هنا ، وفي قوله بانت مني أو حرمت علي كناية في الإقرار به ، وقوله لوليها زوجها إقرار بالطلاق ولها تزوجي وله زوجنيها كناية فيه ، ولو قيل له يا زيد فقال امرأة زيد طالق لم تطلق زوجته إلا إن أرادها لأن المتكلم لا يدخل في عموم كلامه ، كذا في الروضة ، وفيها لو قال كل امرأة في السكة طالق وهي فيها أنها لا تطلق ، وأفتى ابن الصلاح في إن غبت عنها سنة فما أنا لها بزوج بأنه إقرار بزوال الزوجية بعد غيبة السنة فلها بعد مضيها [ ص: 433 ] وانقضاء عدتها تزوج غيره ، ولو طلبت الطلاق فقال اكتبوا لها ثلاثا فكناية على أرجح الوجهين ، ويفرق بينه وبين ما مر في جعلتها ثلاثا بأن ذاك أراد فيه جعل الواقع واحدة ثلاثا وهو متعذر فلم يكن كناية مع ذلك ، بخلاف هذا فإن سؤالها قرينة ، وكذا زوجتي الحاضرة طالق وهي غائبة .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            [ ص: 431 ] قوله : وتنكير هذا لغة ) قضيته أنه ورد عن العرب كذلك لكنه لغة قليلة .

                                                                                                                            وعبارة المنهج : وتنكير ألبتة جوزه الفراء ا هـ .

                                                                                                                            ومقتضاه أنه لم يسمع وإنما أجازه بناء على مذهبه من أن ما ورد من اللغة مخالفا للقياس يجوز النطق فيه بما يوافق القياس وإن لم يسمع ، وهو مخالف لمذهب سيبويه من أنه لا ينطق إلا بما ورد ( قوله : مع قطع الهمزة ) أي غير قياس ( قوله : نهي عن التبتل ) أي التعزب بلا مقتض له ( قوله : ويجوز عكسه ) قال شيخنا الزيادي : قال المطرزي : وهذا خطأ ( قوله : ونحوها ) من النحو اذهبي يا مسخمة يا ملطمة ومنه أيضا ما لو حلف شخص بالطلاق على شيء فقال شخص آخر وأنا من داخل يمينك فيكون كناية في حق الثاني ( قوله : لا فيك ) أي فليس كناية فلا يقع به طلاق إن نواه ( قوله : نحو قومي ) أي فليس كناية إلخ ( قوله : ومثله ) أي في أنه كناية ( قوله : فقال ثلاثا ) .

                                                                                                                            [ فرع ]

                                                                                                                            لو طلق رجعيا ثم قال جعلتها ثلاثا فلا يقع به شيء وإن نوى على المعتمد ، ولو قال أنت طالق ثم قال ثلاثا وقد فصل بينهما بأكثر من سكتة التنفس والعي لغا والحاصل أن الذي ينبغي اعتماده أنه متى لم يفصل في ثلاث مما مر أثر مطلقا ، ومتى فصل بذلك ولم تنقطع نسبته عنه عرفا كان كالكناية ، فإن نوى أنه من تتمة الأول أو بيان له أثر وإلا فلا ، وإن انقطعت نسبته عنه عرفا لم يؤثر مطلقا كما لو قال لها ابتداء ثلاثا ا هـ حج مفرقا .

                                                                                                                            ومن ذلك ما وقع السؤال عنه وهو أن شخصا قال عن زوجته بحضور شاهد هي طالق فقال له الشاهد لا تكفي طلقة واحدة فقال ثلاثا ثم أخبر عن نفسه بأنه قال أردت وقوع الثلاث فتقعن لأن قوله ثلاثا حيث كان على هذا الوجه لم تنقطع نسبته عرفا عن [ ص: 432 ] لفظ الطلاق ( قوله : حيث لا يقع به شيء ) أي وإن كرره مرارا ( قوله : على تقديرها ) قضية هذا الفرق أن محل عدم وقوع الطلاق بقوله طالق حيث لم يقع جوابا لكلام يتعلق به ، فلو قالت له هل أنا طالق أو هل هي طالق فقوله طالق وقع فليراجع ( قوله فلا يقع به شيء ) وينبغي أن مثل ذلك ما لو قال لزوجته أنت طالق أولا وثانيا وثالثا فتقع عليه طلقة واحدة فقط بقوله الأول أنت طالق ويلغو قوله وثانيا إلخ وإن نوى به الطلاق فيما يظهر ، ويحتمل وهو الأقرب وقوع الثلاث لأن التقدير أنت طالق طلاقا أولا وطلاقا ثانيا وطلاقا ثالثا فيقع الثلاث وإن لم ينو ( قوله : تشملهما ) أي الزوج والزوجة فصحت إضافته لكل منهما ( قوله : والرق يختص بالمملوك ) فلم تصح إضافة التخلص منه للسيد ( قوله : لبعد مخاطبته ) أي أما لأمته فكتابة عتق ( قوله : كناية ) أي أنه كناية إلخ ، وقوله وقوله : أي الزوج ، وقوله لوليها : أي الزوجة ، وقوله زوجها : أي خطابا لزوجته فيهما ( قوله كناية فيه ) أي الإقرار بالطلاق ثم إن كان كاذبا وآخذناه به ظاهرا ولم تحرم باطنا وهذا بخلاف كناية الطلاق فإنه إذا نواه حرمت به ظاهرا وباطنا ( قوله : لم تطلق زوجته ) معتمد ( قوله : لأن المتكلم لا يدخل إلخ ) يؤخذ منه جواب حادثة وقع السؤال عنها في الدرس وهي أن شخصا أغلق على زوجته الباب ثم حلف بالطلاق أن لا يفتح لها أحد وغاب عنها ثم رجع وفتح لها هل يقع الطلاق أو لا وهو عدم وقوع الطلاق لما ذكره الشارح ( قوله أنها لا تطلق ) وهو موافق لما قدمه من أن المتكلم لا يدخل في عموم كلامه ، وعبارة حج تطلق ( قوله : بأنه إقرار بزوال الزوجية إلخ ) قد يقال تعريف الإقرار بأنه إخبار بحق سابق لغيره لم ينطبق على ما ذكر لأنه حين الإخبار لم تكن الغيبة وجدت حتى يكون ذلك إخبارا عن الطلاق بعدها ، فكان الأقرب أنه كناية كما قدمناه عن حج في نحو إن فعلت كذا فلست لي بزوجة [ ص: 433 ]

                                                                                                                            [ فرع ] وقع السؤال عن رجل تشاجر مع زوجته فقال لها أنت طالق ثم سكت سكتة طويلة وقال لها زودتك ألف طلقة ولم يقصد طلاقا فهل يقع عليه طلاق رجعي فقط أم ثلاث ؟ والجواب عنه بأنه حيث لم يقصد بقوله الثاني زودتك إلخ الطلاق لا يقع عليه إلا طلقة واحدة بقوله الأول أنت طالق وله مراجعتها ما دامت العدة باقية ولم يكن سبقها طلقتان ( قوله : في جعلتها ثلاثا ) أي حيث لم يقع به شيء وإن نوى على الأصح



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 431 ] قوله : ويجوز عكسه ) نقل الزيادي عن المطرزي أنه خطأ ، وظاهر أنه لا يكون خطأ إلا إن قصد به معنى الأول .

                                                                                                                            أما لو قدر له مفعول كلفظ نفسك فلا خفاء أنه لا يكون خطأ فتأمل [ ص: 432 ] قوله : وقوله وليها زوجها إقرار ) كأن الفرق بينه وبين قوله لها تزوجني حيث كان كناية فيه أن الولي يملك تزويجها بنفسه بخلافها فليراجع ( قوله : إقرار بالطلاق ) أي وبانقضاء العدة كما نبه عليه حج ( قوله : لا يدخل في عموم كلامه ) انظر أي عموم هنا والعلم لا عموم له ، والعموم الذي اقتضاه إضافة امرأة إلى العلم غير المراد إذ هو إنما يفيد العموم في النسوة ، ولو قال إذ المخاطب لا يدخل في خطابه لكان واضحا ( قوله : بأنه إقرار ) لا يخفى أن هذا بالنظر للظاهر [ ص: 433 ] وانظر ما الحكم في الباطن إذا قصد به إنشاء التعليق ( قوله : فكناية على أرجح الوجهين ) الظاهر أنه كناية في الطلاق والعدد فليراجع




                                                                                                                            الخدمات العلمية